ياسر أيوب يكتب : إسكندرية.. ليه

مازلت مقتنعا بأن ما جرى الخميس الماضى داخل مقر الفيفا بمدينة زيوريخ.. أمر يستحق ما هو أكثر من مجرد الفرحة بفوز قطر بمونديال ٢٠٢٢، مع حواديت أخرى حافلة بالتشويق والإثارة عن الذى خطط وانتصر أو خسر وخرج والذى كذب أو باع وخان.. وإنما يمكن أن نتعلم، مما جرى فى زيوريخ، كثيرا من الدروس ومراجعة أنفسنا فى كثير من الأمور.. فنحن سنخوض قريبا سباقا أقل فى الأهمية والإثارة والقسوة من سباق المونديال لنستضيف دورة ألعاب البحر المتوسط فى مدينة الإسكندرية.. ولا أحب بعد كل ما شاهدناه فى زيوريخ أن نبقى على حالنا بنفس أفكارنا القديمة ونفس حساباتنا التى نظنها صحيحة ونفس خطواتنا التى نحسبها تقودنا للأمام أو إلى النجاح.. وأظن أنه من واجبى أن أصارح حسن صقر، رئيس المجلس القومى للرياضة، بما خرجت به بعد متابعة دقيقة لسباق المونديال حتى آخره..

فأنا لا أريد له أو لمصر أن تكون مثل إنجلترا التى راهنت على تاريخها الكروى وعلى ما سبق أن قدمته لكرة القدم.. فأصبح أعضاء تنفيذية الفيفا يسخرون من ذلك كله ويضيقون بهذا اللغو الإنجليزى المكرر والمعاد عن الماضى والتاريخ إلى درجة أن أحد هؤلاء الأعضاء سخر من الفيلم الدعائى الإنجليزى قائلا إن إنجلترا قلبت عرضها لاستضافة مونديال ٢٠١٨ إلى مجرد حصة فى التاريخ فيها أعضاء اللجنة التنفيذية مجرد تلاميذ والإنجليز وحدهم هم الأساتذة.. وبالتالى لا أحب أن تراهن مصر كثيرا أو قليلا على حكاية أنها هى التى ابتدعت دورات المتوسط وفكرت فيها وأنها صاحبة أول دورة واستضافتها فى الإسكندرية.. فلا أحد فى العالم الآن بات يحب حصص التاريخ الطويلة.. ولم يعد هناك من يقبل عند التصويت والاختيار أن يقف مع دولة تصر طول الوقت على أنها الأولى والأقدم والأكبر والأحق..

أود أيضا أن ألفت انتباه حسن صقر إلى أكبر أخطاء الولايات المتحدة الأمريكية.. الثقة الزائدة وقياس الدول الأخرى المنافسة بحجم الأرض أو عدد السكان.. فلا وجه للمقارنة فى هذا المجال.. بين الولايات المتحدة وقطر أو كوريا.. ولكن الواقع كان صادما وموجعا جدا للأمريكيين.. فقطر فازت وخسرت أمريكا الأكبر والأشهر والأقوى.. وبالتالى ممكن جدا أن تخسر مصر أمام من لا تظنه ينافسها أو يناطحها.. ولم يعد العالم كله يفكر بهذا المنطق المصرى الشائع الذى بقى يتعامل مع مصر باعتبارها نقطة على الخريطة أو علبة كبريت.. فالقياس بالمساحة أو الوزن يصلح لمحال الجزارة وليس فى استراتيجيات الدول وتقييم أدائها وقدرتها واستطاعتها..

كما أتمنى أن يتأمل حسن صقر ما جرى فى زيوريخ ليدرك أن الحسابات تغيرت ولم تعد الاستعانة بالنجوم والمشاهير الكبار مجدية فى مثل تلك السباقات.. لا الرئيس كلينتون أفاد الولايات المتحدة ولا الأمير وليام أو ديفيد بيكهام أفادا الإنجليز.. بل إن قطر استعانت بزيدان وغيره كمجرد ورود للزينة دون أن يكون لهم أى دور حقيقى.. قطر وروسيا فازتا لأنهما لم تعتمدا على النجوم والمشاهير وإنما إدارة حقيقية ومتفرغة وواعية ويقظة تتابع الأحداث والمتغيرات يوما بيوم.. وأنا أقول ذلك لحسن صقر الآن ليس فقط كمسؤول أول عن الرياضة فى مصر.. وإنما كصديق أيضا أحب له أن ينجح وأن تنجح معه بلدى..

فلست أريد البقاء فى مكانى مستسلما للطم الخدود وندب الحظوظ على المكانة التى راحت والقدرة التى تآكلت والتاريخ الذى لم يعد يساوى شيئا فى المستقبل.. وإنما لابد أن نشارك كلنا فى تغيير كل شىء.. وهو ما قام به حسن صقر بالفعل حين تنازل عن كل خلافاته القديمة وحساسياته التى سبق أن أغلقت الأبواب كثيرا وطويلا بينه وبين اللواء منير ثابت بما له من علاقات وخبرات وبين حسن مصطفى بما له من مناصب وأدوار وقدرة.. فهذا أمر رائع بالفعل أن تصبح هناك روح جديدة واقتناع حقيقى بأن مصر أحيانا أكبر وأهم وأبقى من الجميع.

نقلا عن جريدة المصرى اليوم

» ياسر أيوب يكتب: تحت القبة
» ياسر أيوب يكتب : اتفاق واختلاف فى زمن صعب
» ياسر أيوب يكتب: مصر ضحية المصريين