ياسر أيوب يكتب : قطر ومونديالها

٤/ ١٢/ ٢٠١٠

من المؤكد أن اللحظة التى وقف فيها جوزيف بلاتر مساء أمس الأول يعلن فوز قطر باستضافة مونديال ٢٠٢٢.. كانت وستبقى دوما لحظة استثنائية وشديدة الخصوصية سواء بالنسبة لقطر أو للعرب جميعهم، وقطعاً لمؤسسة الفيفا وكرة القدم فى العالم كله.. ففى تلك اللحظة.. وقف هذا العالم يشهد إمارة خليجية صغيرة تخطف الجائزة الكبرى التى كانت تريدها وتحتاجها الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى ووحيدة فى العالم.. وتحقق ما لم تستطعه قوى اقتصادية كبرى مثل اليابان وكوريا وأستراليا.. بل وما عجزت عنه..

ولكن فى سباق آخر.. القوى التقليدية التاريخية مثل إنجلترا وإسبانيا.. وبالتأكيد كانت لحظة فارقة ومثيرة للدهشة ولفرحة الكثيرين وغضب كثيرين آخرين.. فهناك من مارس تلك الفرحة التقليدية الفطرية، حين يرى صغيراً ينزل ساحة الصراع مع الكبار ويتفوق عليهم ويسبقهم.. وهناك من أسعده انتصار قطر باعتباره انتصاراً لكل العرب الذين فازوا أخيرا بأول مونديال فى تاريخهم.. وهناك مصريون ومغاربة أحسوا بأن قطر ثأرت لهم من الفيفا ومسؤوليه الذين سبق أن خذلوا المغرب أكثر من مرة ومنحوا مصر صفرها الشهير.. وكان هناك أخيراً من احترموا قطر لأنها تعاملت مع الأمر بمنتهى الحرص والجدية والاهتمام والاحتراف الذى يليق بما خاضت من أجله هذا السباق.. ولكن على الجانب الآخر..

وربما فى نفس البيت أو المكتب أو الشاشة أو الشارع والمقهى.. كان هناك من أزعجهم فوز قطر.. وهناك من قالوا إنه سحر المال الذى أصبح فى عالم اليوم قادراً على شراء أى شىء.. وإن قطر كان لابد أن تفوز لأنه ليست هناك دولة غيرها حتى الولايات المتحدة.. الأغنى والأقوى من قطر.. كانت على استعداد لأن تنفق ما أنفقته قطر للفوز بهذا المونديال.. ولأنه ليست هناك حكومة فى العالم إلا حكومة خليجية تستطيع إنفاق هذه المليارات الهائلة ولا تخشى حساباً أو مساءلة من شعب أو برلمان أو إعلام..

وهناك من أزعجه وأغضبه وأحزنه أن قطر وهى تقدم ملفها للفيفا قبل يوم من التصويت استعانت بإسرائيل وقدمت لها كل فروض الولاء والطاعة وتعاملت معها باعتبارها الصديق والشريك وأحد رعاة الملف القطرى.. وقد كان هذا بالتحديد هو أحد الأخطاء القاتلة التى ارتكبها المسؤولون عن الملف القطرى.. فقطر بالفعل لم تكن فى حاجة لإسرائيل لتفوز.. وأكاد أجزم بأن إسرائيل لم تقدم أى شىء حقيقيا لقطر فى ذلك السباق.. لأن إسرائيل لم تكن لتقف مع قطر ضد الولايات المتحدة..

ولأن إسرائيل لم تكن لتحب يوما يصبح فيه المونديال عربياً.. لكن مسؤولى الملف القطرى بهذا السلوك الأحمق أفسدوا كل شىء.. فإسرائيل بعد الذى جرى ستشيع قطعاً أنها صاحبة الانتصار الحقيقى وأنها هى التى فازت وليست قطر.. وستحيل الأمر إلى رسالة لكل العرب بأنه لا أحد منهم يستطيع تحقيق شىء إلا عبر بوابات إسرائيل، ولا أحد سيخطو خطوة واحدة إلا بموافقة إسرائيل ومباركتها.. ولو كانت المغرب لاتزال تريد المونديال فلابد من طرق باب إسرائيل أولا وليس أبواب الفيفا ورئيسه ومسؤوليه.. وهى قطعاً رسالة خاطئة وواهمة وكاذبة وحقيرة أيضا لكن مسؤولى الملف القطرى منحوها صك الرواج والمصداقية والتأثير..

أما مصر الحائرة بين فرحة حقيقية وتلقائية بفوز قطر.. وبين إحساس بالحزن والغضب لتجدد أحزان صفر المونديال.. وبين كراهية واشمئزاز الاستعانة بإسرائيل لضمان هذا الفوز.. فأنا بمناسبة ذلك أود التوقف قليلا عند بعض قناعات مصرية لاتزال رائجة وشائعة بأنه لا وجه للمقارنة بين مصر وبين دول الخليج وإماراته.. وأن مصر وحدها هى الثقافة والتاريخ والحضارة والعقل والإبداع والعلم والبشر بينما لا تملك بلدان الخليج إلا المال فقط.. وهذا ليس صحيحاً..

فالصورة على أرض الواقع تغيرت كثيراً وجداً.. نحن هنا لم نحافظ على ما كنا نملكه.. وهم هناك لم يكتفوا بالمال الذى يملكونه فقط.. ومنذ ثلاثين سنة كان وحيد سيف فى فيلم «الكرنك» يحل الكلمات المتقاطعة ويبحث عن دولة عربية من ثلاثة أحرف فصرخ فجأة قائلا قطر.. فسخرت منه سعاد حسنى قائلة قطر مين يا عم.. مصر يا أستاذ.. الآن ممكن أن يقول الفيفا مصر مين يا عم.. قطر هى التى فازت يا مصريين.

نقلا عن جريدة المصرى اليوم

» ياسر أيوب يكتب: تحت القبة
» ياسر أيوب يكتب : اتفاق واختلاف فى زمن صعب
» ياسر أيوب يكتب: مصر ضحية المصريين