حكى لي صديقي ... ( 2 )
دق جرس هاتفي المحمول .. نظرت إلى شاشته لأستبين من المتصل في هذا الوقت المتأخر .. كان الظاهر رقماً دون اسم .. إذن المتصل لا أعرفه .. ولما كانت عادتي أن أرد على أي اتصال ؛ فقد وضعت القلم وتناولت الهاتف ..
نعم ..
أجاب صوت ناعم : أستاذ / أحمد ..
قلت : نعم ..
ـ أزعجتك ..
قلت : أبداً ..
ـ نائم ..
قلت : لا أنا أعمل ..
ـ أعرف أن المحامين مدمنون سهر لذلك قررت أن اتصل في وقت متأخر ..
قلت : على الرحب والسعة أأمري ..
ـ شاهدتك اليوم في المحكمة ..
صمتُ لتكتمل حديثها ..
ـ وقد كنت على غير عادتك ، تجلس وحيداً .. بيدك قلم وورقة وكل فترة تكتب سطراً أو سطرين .. أهي قضية ؟
قلت : ربما ..
ـ بدا عليك حزن تحاول أن تخفيه ، لم تكلم أحداً ، إلا من ألقى عليك سلاماً ، رددت باقتضاب حتى لا يسترسل في حديث ..
قلت : أنت لماحة ، فعلاً كان هذا قصدي .. هل لي أن أعرف محدثتي ؟ وما الغاية من هذا الاتصال ؟ ..
ـ أنا إيمان .. وسكتت
قلت : وماذا تريدين يا إيمان ؟ ..
أجابت وقد ازداد صوتها نعومة ورقة : بصراحة يا أستاذ / أحمد أنت صعبت عليّ ؛ فقررت أن أن أحبك ..
ضحكتُ بصوت عالٍ .. وبعد ثواني طويلة قلت : صعبت عليك مقبولة .. لكن قرار الحب هذا غير مقبول ..
ـ لا إنه قرار نهائي لا يقبل أي شكل من أشكال الطعن وحضرتك سيد العارفين ..
قلت : وماذا تتوقعين مني رداً ؟ ..
ـ أن تحبني ، أنت وحيدوتحتاج إلى حب ، وهذا هو شعور أنثى لا يخيب ..
قلت : وإن أجبت أنني أشكر لك شعورك وأرفض قرارك هذا بالحب ؟ ..
ـ ولم يا أستاذ ؟ ..
قلت : لأني تجاوزت الخمسين من عمري ؛ فلا العمر ولا الوقت يسمحان لي بحب جديد ، كفى ما لقينا من عذاب الحب أيام الصبا والشباب ..
ـ لكن الحب معي مختلف ، جرب حب إيمان ولن تندم ..
قلت : كم عمرك يا إيمان ؟ ..
ـ خمن ..
قلت : أكثر من ثلاثين عاماً ..
ـ اقتربت من السابعة والثلاثين ، إذن فرق السن بيننا ليس كبيراً ..
قلت : ولو ، هل المفروض أن أقبل هذا القرار لمجرد حديث تليفوني وأسلم ؟ ..
ـ نعم ، نعم ستسلم .. أنت غداً في محكمة ( ..... ) وسأكون هناك ..
قلت : كيف عرفت أنني سأكون في محكمة ( ..... ) غداً ؟ ..
ـ لي طرقي الخاصة ، ثم إن هذا ليس سراً ..
قلت : نعم ليس سراً مثل رقم هاتفي ..
ضحكت .. رقم هاتفك معي منذ أكثر من ثلاث سنوات ، أرقام هواتف المحامين والأطباء من السهل الحصول عليها ..
قلت : نعم ، صدقت ..
ـ تصبح على خير ، وغداً ألقاك ..
قلت : غداً ألقاك ، غداً أنساك ..
ـ أتحداك يا أستاذ ..
قلت : ولقد قبلت أنا التحدي ..
أغلقت الخط .
جلست لفترة .. استعيد تفاصيل هذه المكالمة الغريبة ؛ فهذه أول مرة أتلقى فيها مثل هذا الحديث .. جلست مفكراً ومحللاً لنبرات صوتها .. أضع كل الاحتمالات الممكنة والغير ممكنة التي قد تكون خلف هذه المكالمة .
أعددت كوباً من الشاي وأشعلت سيجارتي ـ ربما ـ المائة لهذا اليوم ، وكلمة ( أتحداك ) تطرق أذني وعقلي ..
قلت ـ بصوت عالٍ ـ ليس الصبح ببعيد يا إيمان ..
عدت إلى أوراقي وقلمي .