كيف نقرأ التاريخ ؟

كيف نقرأ التاريخ ؟

للتاريخ مذاق خاص .. كان هذا
عنوان المقالة الإٍفتتاحية لسلسة المقالات التي ننوي ـ بإذن الله جل وعلا ـ نشرها
تباعاً ، محاولة متواضعة منا لجذب انتباه القارئ الكريم إلى أهمية قراءة التاريخ ،
كما تهدف هذه المحاولة إلى إزالة الفهم الخاطئ الذي علق بأذهان الكثيرين عن
التاريخ ـ مثل ما درسوا ـ مادة جافة .. جامدة.. مملة .. لاطائل من ورائها .
إن منتدانا الراقي له رسالة
سامية يسعى جاهداً إلى تحقيقها في مختلف مناحي الحياة ، وهذه الصفحات ما هي إلا
خطوات في هذا السعي ؛ فتحقق الفائدة المرجوة من تصحيح لمفاهيم خاطئة لنكمل مسيرة
المنتدى.

وقبل الإبحار عبر الزمان في غمار أحداث
تاريخية ، كان حتماً علينا أن نستوضح معاً كيفية قراءة التاريخ .. لذا كانت هذه هي
المقالة الثانية من سلسلة ( للتاريخ مذاق خاص )

سيدي القارئ الكريم
يجب أن
تعلم أننا لا نحاول أن نرتدي عباءة المؤرخين ، بل نحن نقرأهم لكي نأخذ منهم ونرد
عليهم .. نأخذ منهم ثمين ما كتبوا .. نتعلم .. ندرس .. نناقش .. نفهم ، ثم نقارن
ما سطروه بما كتبه أخرون ، لنبحث عن الحقيقة ؛ فليس كل ما كتبه المؤرخون على مر
العصور هو من المسلمات الغير قابلة لإثبات العكس

نوضح هذا ؛ فنقول :
قام كُتاب التاريخ
بكتابة ما كتبوا ـ سواء وقت وقوع الأحداث ومعاصرة الكاتب لما كتب ، أو أن الكاتب
قذ سرد ما حدث بعد مضي وقت ـ طال أم قصر ـ ولم يعاصر مجريات ما كتب . وهذه الحالة
الأخيرة هي السائدة لدى المؤرخين ، فعمر الإنسان محدود لا يمكنه من معاصرة كل
أحداث التاريخ على مر العصور .. عند هذه الاستحالة ، كان لزاماً على المؤرخين
وقارئي التاريخ أن يأخذوا من كتب القدامى ما سبقهم من أحداث ولم يعاصره لا هؤلاء
ولا أولئك . إلا أن قارئ التاريخ غالباً
ما يقع في إشكالية هامة ، ألا وهي أنه قد يجد في كتب التاريخ عدة روايات لحدث واحد
.. وهنا مكمن خطورة القراءة .. وعند هذا المنعطف تبرز أهمية وعي القارئ وذكاؤه في
الفهم والتحليل.

إن كُتاب التاريخ ومؤرخيه كلٌ منهم قد كتب ما
كتب في ظل ظروف لا نعلمها ، لكن لابد وأن اتجاهه الفكري الخاص به قد أثر بطريقة أو
بأخرى في سرد ما سرد ، أي أن اتجاهه الفكري لابد وأن يجعله ينحاز ولو بشكل غير
مقصود لحدث ما أو شخصية بعينها أو أيدلوجية معينة ؛ فيؤثر هذا الانحياز في كتاباته
، ويخرج به عن دائرة الحياد التي يجب أن يتصف بها المؤرخ ، كما يجب أن ننتبه إلى
الظروف السياسية السائدة وقتها فقد يجبر المؤرخ ـ بطريقة أو بأخرى ـ على سرد واقعة
ما ، والسكوت عن أخرى ، أو صياغة أحداث معينة وفق الميول السياسية السائدة وقتها ،
ويكفي أن نقول أنه في ظل الدكتاتوريات لا توجد ثقة كبيرة في مرجعية الكتابات في
ظلها .

إننا لا ننكر التاريخ ، ولا نقدح في مصداقية المؤرخ ،
ولكننا نسبر غور بشريته .. بمعنى أننا ننقح ما كتب ونستعرض ما سرد لكي نخرج
بالغاية المستهدفة من كتابة التاريخ ونحقق الحياد في الفهم والحكم على أحداث لم
نشهدها .

مثال ذلك :
ثورة يوليو 1952م .. مجدها كتاب الثورة ومؤيدو حركات التحرر ، فوصفوا قادتها
بالأبطال ، وفي المقابل كان هناك أنصار الملكية وأعوان الملك ؛ فنعتوها بالانقلاب
ووسموا أفرادها بوسم لصوص الحكم وأنهم قد اغتصبوا ما ليس لهم فيه حق .. فريق أيد
الجمهورية الوليدة .. وفريق ينادي بعودة الملكية البائدة .. كلٌ كتب من وجه نظره
وأيدلوجيته ( مذهبه ) السياسية .

والقارئ الفطن يقرأ للجميع
ليخرج بالمعلومة الثمينة ليعرف ما كتب من المؤيدين لواقعة ما ، وفي ذات الوقت
يرتدي نظارة الفريق الآخر ليرى من خلالها فكر هذا الفريق ويتعرف طريق الفريقين
بفهم ووعي دون عصبية أو انحياز .

من جهة أخرى هناك أحداث يجمع عليها المؤرخون
بعمومية العنوان ، لكنهم إذا ما ذهبوا تحت العنوان بسطر واحد برز الخلاف بينهم ،
مثال ذلك : لا أحد كتب أننا انتصرنا في حرب 67 ، الكل يجمع أننا هزمنا وانكسرنا
تحت مسمى نكسة 67 ، لكننا إذا ولجنا باب التاريخ لنبحث في التفاصيل .. سرعان ما
نغرق في المتعارضات من الطرح .. كل يعرض ما كتبه ويدلل عليه بطريقته وفق مذهبه السياسي
في أحسن الأحوال ، أما أسوؤها فهي الأغراض الخاصة التي قد تصل إلى مرحلة تزييف
التاريخ .

الرأي والرأي المضاد .. الاتجاه والاتجاه
المغاير ، سمة أحداث التاريخ عامة ؛ فلم تجمع أمة على شخص ، ولم يتوحد رأيها حول
موقف . لذا يجب علينا أن لا نقف موقف الإمعة الذي لا رأي له، نحن نقرأ الجميع ، ثم
نحدد اتجاهنا وأفكارنا وميولنا ، وليت هذا يتم في حيادية مطلقة قدر الإمكان لتكون
الفائدة أكثر عمومية وشمولية .

ثم إن هناك خطأ آخر فادحاً جداً جداً ؛ فكثير
من مثقفي اليوم يطلعون علينا من خلال الفضائيات والصحف ـ يحاكمون التاريخ بأشخاصه
وأحداثه بمعطيات العصر الحالي !!

وهنا كبوة
فكرية هائلة ، كيف نحاكم أحداث وأشخاص ، بقوانين وأحداث لم تكن متاحة لهم في عصرهم
؟ إننا بهذا نضعهم في سجن معطياتنا الحالية .. متغافلين ـ عن عمد أو عن جهل ـ ما
كانت الحالة عليه في ظل واقعهم ومعطياتهم ، وليس معطياتنا وواقعنا .

إننا إذا أردنا أن نأخذ الدرس مأخذ الجد ونعي التاريخ ،
لابد أن ننظر إليه من خلال منظور عصره ، لا بما نحن عليه الآن ، فالأقدمون لم
يكونوا منجمين ولايعلمون الغيب فيطلعون إلى المستقبل .. وإلا فنحن الآن ماذا قدمنا
للقادمين ؟ وكيف سترانا الأجيال بعد مائتين أو ثلاثمائة عام ؟ .

مثال ذلك: بناء السد العالي في مصر .. نرى
منذ فترة ـ ليست بالقصيرة ـ من يهاجم بناءه .. ويدللون على ذلك بالآثار السلبية
التي لحقت بمصر من جراء منع الفيضان .. وما كان له من أثر على التربة الزراعية ،
بل ورقعة الأرض الزراعية في مصر عامة .

والرأي الأخر
يؤيد بناءه .. ويسوق من الأدلة ما لا يمكن تجاهله على أهمية هذا الصرح العملاق من
توفير المياه ، وتوليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بها المصانع ، مثل : مجمع
الألومنيوم بنجع حمادي ومصانع السكر في صعيد مصر والصلب في حلوان ...

إن الدرس الذي يجب أن نخرج به ، أن أحداث
التاريخ قد وقعت ومحال تغييرها فنحن لم نملك آلة الزمن بعد ، هذه الأحداث تطالنا
بكل الأشكال وفي كل الأحوال تؤثرفينا ولا نستطيع أن نؤثر فيها تغير حاضرنا رغم
ماضيها ، لذا يجب علينا أن نقرأ ونفهم ونصحح حتى لا نكرر الأخطاء ، فنحقق طموح
عصرنا والعصور التالية قدر المتاح لنا .

أشكركم.. وأعتذر للإطالة ، حتى لا نقع في فخ الملل الذي نريد
كسر طوقه ونحرر منه أقدام التاريخ .

الراشد

يسلم قلمك

انا سعدت جدا بفكره حضرتك واتابعك وانتظر مقالاتك

ربنا يوفقك ويعينك ان شاء الله

» التاريخ المصري
» خدعة التاريخ..!!!
» أعظم ثورة في التاريخ

كيف نقرأ التاريخ ؟

كيف نقرأ التاريخ ؟ :: تعاليق

كيف نقرأ التاريخ ؟

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة