قلب الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قلب الحياة

أعوام من الوجود بعالم الشبكة العنكبوتية
 
الرئيسيةالمستشار الاجتماعي المجانى البوابةدخولالمستشار القانوني المجانيالتسجيلأحدث الصورالعاب اون لاين مجانا

 

 الجزء الثالث من اعرف عدوك كيف يخطط للدكتور حامد عبد الله ربيع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
AHMED NASSAR
عضو جديد
عضو جديد
AHMED NASSAR


احترام قوانين المنتدى احترام قوانين المنتدى : 100 %

رسالة sms : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 120px" border=1][tr][td]
النص المرافق[/td][/tr][/table]


عدد المساهمات : 11

نقاط : 31

السٌّمعَة : 0

تاريخ التسجيل : 17/11/2011

الابراج : القوس


الجزء الثالث من اعرف عدوك كيف يخطط للدكتور حامد عبد الله ربيع Empty
مُساهمةموضوع: الجزء الثالث من اعرف عدوك كيف يخطط للدكتور حامد عبد الله ربيع   الجزء الثالث من اعرف عدوك كيف يخطط للدكتور حامد عبد الله ربيع Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 18, 2011 9:12 am

نستطيع أن نميز فى أساليب التعامل الدولى مع المنطقة العربية، لتحطيم الإرادة الذاتية ومنع المنطقة من التماسك ثلاثة أنواع من الأساليب، كل من هذه الأساليب يتجه إلى مستويات معينة من مستويات التفتيت فى الجسد العربى، أول هذه المستويات وأكثرها خطورة هو المستوى الإقليمى تقاليده تعود إلى فترة الاستعمار الأوربى، وبصفة خاصة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ثم تأتى مجموعة أخرى نستطيع أن نسميها بأساليب التعامل الداخلى، تبرز واضحة فى بداية القرن العشرين، وتظل تتسع وتنتشر من حيث فاعليتها، لتصير فى عالمنا المعاصر المحور الحقيقى للتعامل مع المنطقة، وتأتى مجموعة ثالثة لتكمل هذه المجموعة الأخيرة، ولتسيطر خلال الأعوام العشرة الأخيرة على منطق التعامل مع المنطقة وهى الأدوات الدولية.
فلنتابع هذه الأدوات بشىء من الإنجاز.
أول هذه الأدوات تنبع من الواقع الإقليمى، فهم أسلوب التطويع للإرادة العربية، بما فى ذلك الإرادة المصرية، لا يمكن أن يكون واضحاً إذ لم يتم رصد لجميع هذه الأدوات فى إطار واحد، وتحديد حقيقة العلاقة المتداخلة بينها:
أولاً: إنشاء إسرائيل وتدعيم توسيع دائرة نفوذها.
ثانياً: اتباع سياسة شد الأطراف.
ثالثاً: خلق حالة شلل فى وظيفة مصر الإقليمية.
رابعا: إذابة القومية العربية فى المفهوم الإسلامى.
خامساً: خلق دولة البربر الكبرى.
(1/45)

الأداة الأولى: بدأ التفكير فيها منذ الربع الثانى من القرن التاسع عشر خلال حكم" بالمرستون ". تأجيل ذلك كان طبيعياً عقب أن احتلت بريطانيا منطقة وادى النيل، خروج بريطانيا من مصر كان إيذاناً بالعودة إلى التفكير الجدى فى المشروع، بل وفى تنفيذه، وما كان يمكن لساسة واشنطون إلا أن يستغلوا هذه الأداة الثمينة، فإسرائيل أداة لتهديد أى قوى عربية فى منطقة القلب، وهى قد جزأت، بل وفصمت الجسد العربى، وهى قادرة على أن تحدث المزيد من الاضطرابات ليس فقط فى المنطقة المحيطة بها، بل وفى جميع أجزاء الوطن العربى.
(1/46)

إن المتتبع لتطور مفهوم الأمن الإسرائيلى، وبصفة خاصة كما يتصوره المنظرون الصهيونيون لوظيفة إسرائيل، خلال الأعوام القادمة، لا بد وأن يصيبه الذهول من كيفية تصور قياداتها لأن يمتد هذا المفهوم ويتسع، بحيث يحتضن من جانب القسم الغربى من المحيط الهندى ومن جانب آخر جميع أجزاء شمال إفريقيا وحتى المحيط الأطلسى، يجب أن ينظر إلى الوجود الصهيونى على أنه مرحلة من مراحل التدخل الأجنبى فى المنطقة، ومنذ بداية الحروب الصليبية، بدأ شد الأطراف يأتى فيكمل وظيفة إسرائيل، فإذا كانت هذه تشل القلب فإن القوى الجاذبة الجانبية تشد القوى المتواجدة خارج دائرة القلب، وهكذا تمنع المساندة، ولعل الحرب العراقية الإيرانية فى أقصى الشرق، وحرب الصحراء فى أقصى المغرب واحتمالات الصدام فى جنوب السودان، نماذج واضحة لتأكيد هذا المفهوم، خلق حالة الشلل فى وظيفة مصر الإقليمية أداة أخرى، تعود إلى بداية القرن التاسع عشر على الأقل. الانكفاء الداخلى فى مصر عقب الاستعمار البريطانى هو أكبر صفعة أصابت التطور القومى العربى فى العصور الحديثة إذابة العروبة فى مفهوم أكثر اتساعا يسمح بإفقاد المفهوم الفاعلية الحقيقية، يبرز خلال الأعوام الأخيرة فى صورة واضحة لا تسمح بالتردد فى فهم حقيقة الأهداف الكامنة من السياسة الأمريكية، خلف تشجيع بعض الحركات الإسلامية، مستغلة فى هذا السذاجة التى ينطوى عليها الكثير من القيادات التى تسيطر على تحرك الجماهير من هذا المنطلق الدينى. خلق دولة البربر الكبرى يبدو مفهوما ليس جديدا، ولكن السياسة الأمريكية تتبناه اليوم فى ظل إطار مختلف من التعامل ولكن لتحقيق نفس الأهداف.
الأدوات الداخلية ليست أقل خطورة، ورغم أنها تعود إلى عصور طويلة من المعاناة حيث استغلت القوى الأجنبية نواحى الضعف فى الجسد العربى، إلا أنها لم تتكامل فى إطار واحد متماسك، إلا مع نظرية الاستعمار الجديد .
(1/47)

إن العودة إلى سياسة الخلفاء العباسيين مع أهل الذمة وبصفة خاصة منذ فترة حكم الخليفة المتوكل العباسى، يلحظ كيف تحول سياسة التسامح فى فترة معينة إلى نوع من التعصب كنتيجة لخيانة وقعت من هؤلاء لصالح الدولة البيزنطية، والواقع أن إضعاف الخصم من الداخل ليس أسلوباً جديداً. نظرية الاستعمار الجديد، اكتملت عناصر هذا التصور لتقدم لنا نظرية متكاملة فى أساليب تفتيت الإرادة القومية.
العناصر عديدة:
أولاً: تشجيع الشعوبية.
ثانياً: تدعيم مفهوم الولاء الطائفى.
ثالثا: مساندة الزعامات الضعيفة، المهلهلة ودفعها إلى مواقع السلطة.
رابعا: خلق طبقات منتفعة طفيلية.
خامساً: استخدام جميع أساليب التسميم السياسى.
مجموعة هذه العناصر تقود إلى نتيجتين متكاملتين: أولهما: الفوز بالتبعية نحو الإرادة الغازية. وثانيها: الابتعاد عن التكامل، بالنسبة للإرادة القومية: النماذج التى تعيشها المنطقة العربية بهذا المعنى عديدة لا حصر لها، بل ويمكن القول أن جميع أجزاء المنطقة وبدرجات مختلفة، قد وقعت فى هذا الفخ. ليست مصر وحدها، ولا منصقة الخليج العربى فقط، بل حتى الدول التى تزعم بأنها تمثل الخط اليسارى المتقدم فى المنطقة، وتركت نفسها بلا وعى تسقط فى هذا الفخ، وتصير أسيرة لهذا التطور، بما فى ذلك كل من العراق وسوريا.
الأدوات الدولية تكمل هذا الإطار العام من الصراع ضد تكامل الإرادة العربية ورغم أن هذه الأدوات، لم تبرز بعد واضحة من حيث آثارها إلا أنها حية ملموسة، لكل من يتابع حقائق التعامل الدولى:
أولاً: نشر الكراهية ضد العالم العربى أوالإسلامى بل وتشويه الإسلام،.
ثانياً: تدعيم الترابط الدولى ضد المصالح العربية [ولصالح العدوان الإسرائيلى].
ثالثا: تفجير منظمة الأوبك.
(1/48)

مما لا شك فيه أن بعض هذه الأدوات لا تتجة فقط إلى التماسك العربى، بل إنها تعنى أيضاً دول العالم الثالث، ولكن النتيجة دائماً واحدة، وقد يبدو للبعض أن هذه الأدوات بعيدة عن التأثير فى الواقع المصرى، سذاجة أخرى، فالأداة الأولى قادت إلى حملة عنيفة من جانب الشعوب السوداء ضد الدول العربية البترولية، بدعوى أن ارتفاع سعر البترول قد قاد إلى إفلاسها، وهذا غير صحيح؟ لأن تطور سعر البترول أقل من أى سلعة أخرى فى النطاق الدولى، بل والأشهر الأخيرة تحدثنا عن احتمالات انخفاض هذا السعر إلى حد لم يسبق له مثيل، فى وقت ترتفع فيه جميع الأسعار حتى سعر " الطين " كذلك فإن تدعيم الترابط الدولى ضد المصالح العربية ظهر واضحا فى جولات الحوار العربى الأوربى، ولا تزال نتساءل: كيف يمكن أن نتصور المنطقة العربية وهى تنتج أكثر من 60% من البترول الخام الدولى، وهى فى مجموعها تستورد قرابة نصف البترول المكرر الذى يحتاجة السوق العربى؟ أما عن تفجير منظمة الأوبك فهى ظاهرة ليست موضوع تعليق تعاصرها لحظة كتابة هذه الأسطر، وقد سبق وأن نبهنا الأذهان إلى احتمالات منذ أكثر من عشرة أعوام، هذه الأدوات المختلفة تكوّن نسيجاً متكاملاً من التعامل: وهى تطرح مجموعة تساؤلات:
أولاً: كيف أن هذه السياسات الأربع تتضمن مجموعة من التناقضات، حيث لا يمكن إلا أن تقود إلى الفشل الذريع، إنها سوف تنتهى بأن تلغى إحداها الأخرى، وهنا تلعب إسرائيل دوراً خطيرا، ليس فى صالح الولايات المتحدة، وعلى واشنطن أن تتنبه له بوعى حقيقى.
ثانياً: وكيف أن سياسة جمع المعلومات تخدم هذه السياسات الأربع من جانب، وكيف أن سياسة جمع المعلومات من جانب آخر تعكس بدورها نفس التناقضات التى تسيطر على السياسة الأمريكية.
(1/49)

ثالثاً: ويصير منطقياً عقب ذلك، أن نطرح السؤال الأخير: أين مسئولية علمائنا الذى اندفعوا بلا وعى فى هذه العملية؟ وأين مسؤولية أجهزة الأمن المصرية وكيف يجب أن تؤدى واجبها؟
والحديث ذو شجون ".
المقالة الرابعة
تحت هذا العنوان كتب حامد ربيع:
"السياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط سوف تنتهى بالفشل الذريع، إنها تسير فى طريق محفوف بالأخطار، لا يجوز أن يغرينا بريق القوة ورونق الرفاهية، جوهر السلوك الأمريكى هو عدم الفاعلية، ومنطق التحرك هو عدم القدرة، مجموعة الأخطاء المتراكمة منذ ثلاثين عاماً تعلن بصراحة عن أن جبابرة المال لا يفهمون فن التعامل مع الشعوب، ولعله من سوء حظ الإنسانية أن العالم المعاصر يتقاسم مصيره رعاة البقر من جانب، وصنْوه البرابرة المغول من جانب آخر، وحدثى يا نفسى ولا تحزنى، وليس علينا سوى أن نختار بين شهاب الدين وأخيه.
ولكن لنقصر حديثنا على السياسة الأمريكية.
(1/50)

سياسة واشنطن ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ليس إلا مجموعة متراكمة من الأخطاء، والأمريكيون لم يتعلموا من أخطائهم، فجمال عبد الناصر لم يتجه إلى المعسكر الشيوعى فى صفقة السلاح المشهورة إلا نتيجة لقصر نظر " فوستر دالاس "، والسادات لم يرتكب الخطأ القاتل، عندما وضع معارضة مصر كاملة فى السجون، إلا عندما عاد وقد فقد توازنه إزاء موقف التصلب، والتعنت للرئيس ريجان حتى إن جريدة لموند الفرنسية خرجت تتساءل: من هو القاتل الحقيقى لرجل الدولة المصرى؟ ولماذا نذهب بعيداً ؟ فلنسمع إلى العالم الأمريكى " إيفلاند " يكتب بهذا الشأن فى مؤلف يحمل عنواناً له دلالة: " الفشل الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط " فيعلن: " الآن وفى نهاية عام 1979 فمختلف عناصر التواجد الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لا تزال تخلق فينا الرعب وتهدد آمالنا فى السلام، واستقرار أوضاعنا الاقتصادية القوية ويبدو أننا لم نتعلم إلا قليلأ من أخطائنا" ومن هو " إيفلاند " كاتب هذه الصفحات؟ إنه مستشار وكالة المخابرات الأمريكية أولاً، وعضو هيئة التخطيط السياسى بالبيت الأبيض ثانياً، وكم كنت أتمنى على المسؤولين فى القيادة الأمريكية أن
يقرؤوا بعناية وتأمل، مجموعة الأخطاء التى وقعت فيها الدبلوماسية الأمريكية، والتى جمعها الكاتب المذكور فى نهاية مؤلفة فى عشرين صفحة كاملة، ولكن هل تغير الوضع حالياً وعقب وصول ما يسمى بالاتجاه المحافظ الجديد إلى السلطة؟ كلا، بل إن الدبلوماسية الأمريكية تسير فى سياسة أكثر خطورة؟ لأنها تتناسى جميع حقائق منطقة الشرق الأوسط، التى فرضتها الأحداث الأخيرة، والتطورات الاستراتيجية التى يعشيها العالم بصفة كاملة خلال الأعوام العشرة الأخيرة.
(1/51)

السياسة الأمريكية تتميز أساساً بالاضطراب والتناقض وعدم القدرة على فهم حتى مصالحها الحقيقية، وسياسة جمع المعلومات ليس سوى إحدى الأدوات المساندة لاستراتيجية التحرك، وعندما كانت تلك الاستراتيجية غير واضحة أو مضطربة، فلا بد وأن يعكس ذلك اضطراباً مماثلاً فى سياسة جمع المعلومات، مما لا شك فيه إننى كمصرى مؤمن بعروبته أولاً، وبانتمائه المصرى ثانياً، لا يعنينى من السياسة الأمريكية النجاح أو الفشل فى قليل أو كثير، بل إننى أخفى سعادتى فى أن أرى الفشل يزداد تضخماً ولكن عندما يكون ذلك الفشل مدعاة لخلق الاضطراب فى المنطقة ولفرض حالة من الفوضى على قيادتها والتسيب، بل والتحلل الداخلى، فلا بد من أن أرفع صوتى محذرا تلك القيادات التى تذكرنى بالدب، الذى قتل صاحبه بدعوى إبعاد الذباب عن وجهه، والواقع أن قيادات واشنطن وهنا تبدو المفارقة العجيبة، لا تريد أن تستوعب كيف اكتشفت القيادات الأوروبية الأخطاء التى وقعت فيها السياسة الغربية، خلال الأعوام اللاحقة للحرب العالمية الثانية، ولا تريد أن تتعلم من أولئك الذين قدموا لها التراث التاريخى، للتعامل مع المنطقة العربية، أقصد قادة لندن وباريس خبرتهم التى دفعوا ولا يزالوا يدفعوا ثمنها غالياً.
فلنتابع هذه المقدمات بإيجاز، وفى حدود وإطار موضوع هذه الملاحظات: السياسة الأمريكية فى مصر منذ اتفاقيات كامب ديفيد، وبصفة خاصة فيما يتعلق بسياسة جمع المعلومات.
(1/52)

أ- فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، سادت قناعة أوربية، أنه لم يعد هناك ما يعنى أوروبا الغربية فى دول العالم الثالث، لقد خرجت الحضارة البيضاء التقليدية مهزومة مدحورة، وانتقلت محاور القوى العظمى إلى خارج البحر المتوسط بين موسكو وواشنطن، لم يعد يعنى القيادات الأوربية ما يحدث فى جميع دول العالم الملون، وبلا استثناء. على أوروبا أن تعيد بناء منزلها الداخلى، ومعنى ذلك أن تنطوى على نفسها وأن تنسى جانبا كل ما يقع خارج حدودها الطبيعية، وهكذا اتخذت القيادات الأوربية مجموعة من القرارت وعقب نوع من الشروط:
أولاً: فض اليد من مصير الدول المستعمرة، أى التى كانت تخضع لنفوذها، ومن ثم التخلى عن مسؤوليتها إزاء تلك الشعوب التى ظلت تحاكى الحضارة البيضاء، باسم التفوق الحضارى لفترات قد تختلف من الامتداد الزمنى ولكنها تتفق من حيث الأهمية.
ثانياً: وفى هذا الإطار يفهم القرار البريطانى بإلغاء التواجد العسكرى الإنجليزى شرق قناة السويس، بما فى ذلك الانسحاب الكلى والشامل من منطقة الخليج العربى بجميع أجزائها [ ولكنها عادت الآن 1997 ].
ثالثا: عدم الانغماس فى مشاكل العالم العربى، أليس هذا العالم بدوره جزء من دول العالم الثالث؟ فلماذا التورط فى وحل تلك المنطقة، فيما هو أبعد من التعامل التجارى المعتاد؟ عليها أى الدول العربية أن تحل مشاكلها بنفسها وبقدراتها الذاتية.
رابعا: المساندة للدولة الإسرائيلية لأن هذا رغم أنها تنتمى عضوياً ومن حيث التواجد المكانى إلى دول العالم الثالث، إلا أنها حيث التكوين والحضارة هى امتداد العالم الغربى الأوروبى الكاثوليكى.
ربع قرن أثبت مجموعة الأخطاء التى وقعت فيها القيادات الأوربية، وكان عليها أن تدفع ثمنها. كم تحسّرت لندن عقب ذلك؟ وهى تسعى مرة أخرى فى محاولة يائسة لوضع أقدامها مرة ثانية فى منطقة الخليج (21) ولكن دون جدوى.
(1/53)

"ديغول" لمس تلك الأخطاء بحسه التاريخى، ولكن قبله أعلن ذلك بوضوح "هنرى سباك " فى خطابه المشهور، إلى الرئيس " كيندى" الذى به استقال من مسؤولية حلف الأطلنطى، ذلك أن العالم العربى رغم أنه قد ينتمى إلى العالم الثالث، وإلى الشعوب الملونة إلا أنه جزء لا يتجزأ من دائرة الأمن الاستراتيجى لدول أوروبا الغربية، إن هذه المنطقة أى غرب أوروبا، لا تستطيع الدفاع عن نفسها إن لم تضمن الحدود الجنوبية لحوض البحر المتوسط، وهكذا عادت المفاهيم الاستراتيجية التى صاغها قياصرة روما مرة جديدة إلى الحياة، ولكن واشنطن لا تزال مصرة على عدم فهم هذه الحقيقة، أو على الأقل على التظاهر بعدم فهم هذه الحقيقة، وما تفرضة من التزامات وما تعنيه من نتائج.
ب- السياسة الأمريكية كانت ولا تزال تتميز أساساً بخصائص ثلاث فى كل ما له صلة بالتعامل مع منطقة الشرق الأوسط:
أولاً: التناقض.
ثانياً: الاضطراب وعدم وضوح الرؤية.
ثالثا: عدم فهم حقيقة إطار التحرك.
(1/54)

الصفة الأولى: تعنى اتباع مبادئ لا تقبل التجانس فيما بينها، مبادئ كل منها يلغى الآخر أو يجعل الآخر مستحيل التطبيق، يكفى أن نتذكر أن السياسة الأمريكية تقوم حالياً على أساس المساندة الكلية، والكاملة للملكة العربية السعودية، ولكنها فى الوقت ذاته ترفض حتى التصريح لقادة المقاومة الفلسطينية بالتطرق ولو بالزيارة إلى " الجنة الأمريكية " لماذا ؟ لأنهم إرهابيون؟ فهل هذا منطق متجانس؟ إن حكام السعودية لا يستمدون شرعية وجودهم وقيادتهم للمنطقة إلا من منطلق الدفاع عن قضايا الأمة العربية، أو التظاهر بذلك، فلماذا لا تقبل قيادة واشنطن ولو من منطلق مبدأ الإخراج المسرحى الذى برعت فيه، فتح باب التعامل ولو غير المباشر مع القيادات الفلسطينية؟ وهى تريد أن تؤمن استمرار تدفق البترول لحماية أصدقائها فى المعسكر الرأسمالى، ومع ذلك لا ترفض استخدام الحرب المحلية كأداة لتأديب من تريده من القيادات، فعلت ذلك فى حرب الأيام الستة، وهى تفعله اليوم فى الحرب العراقية الإيرانية، وبينهما ما فعلته فى لبنان، ألا تعلم أن هذا قد يحيل المنطقة فى لحظة معينة إلى جحيم مستمر، ولا يمكن إلا أن يؤدى إلى عدم ضمان استمرار تدفق البترول؟ ولنتذكر أن حمايتها للاقتصاد الأوربى من جانب واليابانى من جانب آخر، ليس إلا لإرتباط كلاهما المباشر بالاقتصاد الأمريكى، بحيث أن أى انهيار حقيقى فى أى منهما لا بد وأن يرتبط به انهيار مماثل فى الدائرة الأمريكية.
(1/55)

الصفة الثانية: والتى تحتل العصب الحقيقى للسياسة الأمريكية هى الاضطراب وعدم وضوح الرؤية. ماذا تريد الولايات المتحدة حقيقة من منطقة الشرق الأوسط؟ إنها تريد الكثير الذى لا ينتهى، فإذا بها لا تدرى ذلك الذى تريده حقيقة، هل تريد صداقة شعوب المنطقة، التى هى السند الحقيقى لأى سياسة مساندة؟ إذن فلماذا تأبى إلا التلاعب بمصالح المنطقة؟ بل تُفصِحْ الوثائق التى نشرها العالم الفرنسى "جوليان " على أن سياسة الولايات المتحدة بهذا المعنى قديمة، فمنذ الحرب العالمية الثانية وتعليماتها إلى الشركات البترولية واضحة، وهى عدم توظيف عوائدها النفطية فى المنطقة، وذلك رغم أن احتمالات الكسب فى ذلك الميدان لا حدود لها، كل دولار يوظف فى المنطقة العربية يستعيد نفسه خلال فترة لا تتجاوز العامين، بينما هو فى حاجة إلى خمسة عشر عاما فى غرب أوروبا، ومع ذلك فتعليمات وزارة الخارجية كانت صريحة: على الشركات البترولية أن توجه عائداتها البترولية لتوطف فى اقتصاد غرب أوروبا، وليس لأن توظف محلياً فى المنطقة العربية، لما ذا؟
وكيف أن الولايات المتحدة حتى قبل أن تتلاحم استراتيجياً مع إسرائيل فى أعقاب حرب عام 1967 تقف من التطور الوحدوى فى المنطقة موقف العداوة وخلافا أيضاً للسياسة البريطانية التى تبنت فى لحظة معينة إنشاء جامعة الدول العربية؟ بل ورغم أن هذا أيضاً ليس فى صالح الشركات الكبرى المتعددة الجنسية، لأن هذه فى حاجة إلى السوق الواسع ولو نسبياً وليس إلى الأسواق العربية التى لن تحقق لها أى مصالح تجارية حقيقية ؟ ويبدو هذا الاضطراب واضحاً عندما نقارن بين سياسة الولايات المتحدة فى كل من اليابان وأوروبا الغربية من جانب، وفى منطقة الشرق الأوسط من جانب آخر.
(1/56)

محور السياسة الأمريكية كما تبلور بصفة خاصة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة فى منطقة الشرق الأوسط، يعيد للذاكرة نفس تلك السياسة فى كل من اليابان وغرب أوروبا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، الجوهر هو خلق ما يسمى بالترابط الحركى، والمساندة الإقليمية، ويعنى ذلك أن تحول المنطقة، فإذا بها مثابة قاعدة متقدمة لأهدافها الاستراتيجية إنها تصير خط هجوم أولى وخط دفاع أخير، إنها بمثابة رأس رمح يسمح بالاختراق لو أرادت القيادات الأمريكية أن تنازل خصمها أى الاتحاد السوفيتى، وهى بمثابة حائط قادر على أن يعوق الفيضان الروسى، لو فكرت قيادات موسكو المنازلة الفجائية اتجاهاً نحو الدولة الأم أى القارة الأمريكية، أرض الولايات المتحدة تمثل ضعفا استراتيجياً حقيقياً وهى لذلك فى حاجة إلى خلق مراكز متقدمة أقرب ما تكون إلى الاتحاد السوفيتى، بحيث تُكْرِهه على أن يحارب حول حدوده القومية ، وبصفة خاصة، لو استخدمت الأسلحة التقليدية، لو استطاعت أية قوة أجنبية على قسط معين من الأهمية. أن تنزل على الشواطى الأمريكية فقد انتهى نصف المعركة بالنسبة لواشنطن، والقيادات العسكرية الأمريكية تعرف ذلك جيداً، ومن ثم فهى تجعل من غرب أوروبا الدرع الواقى للمحيط الأطلسى، ومن اليابان درع آخر مماثل للمحيط الهادى، ومنطقة الشرق الأوسط أضحت فى التصور المعاصر بحيث تؤدى نفس الوظيفة بل وبشكل أكثر خطورة.
أولاً: فهى تحمى درع غرب أوروبا فى أكثر أجزائة ضعفاً، والتى لا تملك أى عمق استراتيجى وهى اليونان وتركيا.
ثانياً: وهى تحاصر وتحيط بجنوب الاتحاد السوفيتى فى أضعف مواقع القوة الشيوعية،أى المنطقة الوحيدة التى غُزِيَت منها الأراض الروسية فى تاريخها الطويل وبنجاح أى حول بحر قزوين.
ثالثا: وهى تسمح بخلق الترابط والسيولة بين البحر المتوسط، أى الامتداد الطبيعى للمحيط الأطلسى والمحيط الهندى الذى بدوره- يمثل الامتداد للمحيط الهادى.
(1/57)

رابعاً: وهى تحقق التواصل والمساندة لأصدقائها حول المحيط الهندى، سواء أولئك التقليديين فى استراليا وجنوب إفريقيا، أو الجدد فى الصين وما حولها.
خامساً: وهى وسيلتها لضبط التوسع الروسى فى وسط إفريقيا، بل وإكراهه فى لحظة معينة على التراجع، والعودة إلى مواقعه التقليدية.
هذه الأهداف: هى التى قادت إلى فرض مفهوم الإجماع الاستراتيجى فى التصور الأمريكى، وهو المفهوم الذى تردده القيادات الأمريكية، بثبات منذ عهد كارتر حتى هذه اللحظة، وكل من يتابع أحاديث المسؤولين عن السياسة الأمريكية يجد هذا التصور محوراً ثابتاً لجميع تصريحاتهم بما فى ذلك وزير الدفاع "واينبرجر" مفهوم الإجماع الاستراتيجى يخلق وضعاً جديداً إذ يجعل من سياسة المساندة الإقليمية المحور الأساسى للتعامل مع المنطقة، فهل تتفق هذه السياسة مع التأييد المطلق لإسرائيل؟ سياسة التأييد المطلق لإسرائيل نبتت وتبلورت فى عهد عبد الناصر عندما كانت السياسة الأمريكية تقوم على مبدأ خلق " كلب الحراسة المدلل " فى كل نظام إقليمى، وتدعيم ذلك الكلب بجميع عناصر القوة ليؤدب من حوله، ولكن فى ظل السياسة الجديدة، أى سياسة المساندة الإقليمية فكيف تتفق مفاهيم تلك السياسة مع السياسة الأخرى السابقة، التى أسميها بسياسة خلق " كلب الحراسة المدلل؟ " كذلك فإن سياسة المساندة بهذا المعنى تصير سياسة أمن قومى، وسياسة الأمن القومى بما تفرضه من خصائص الجمود والتحجر فى قواعد التطبيق تأبى المرونة وتعدد البدائل، وجعل التواجد الإسرائيلى من منطلق مبدأ التفوق على جميع القوى العربية أحد عناصر الأمن القومى الأمريكى، يتعارض تعارضا مطلقاً وكلياً مع سياسة المساندة الإقليمية أو ما يسمى بالإجماع الاستراتيجى كأحد عناصر الاستراتيجية الكلية الأمريكية.
(1/58)

الرئيس كارتر مستمداً فى هذا مفاهيمه من الوزير السابق كسينجر، انطلق من مبدأ آخر وهو مبدأ " توظيف العداوات الإقليمية "، فالصراع الإقليمى لو أمكن تطويقه وإعادة توظيفه لصالح السياسة الأمريكية يسمح- فى ذهن هؤلاء- بخلق حائط من التحالف المحلى لصالح التحرك الأمريكى، وهم يسوقون بذلك الخصوص النموذج الفرنسى الألمانى، وهنا تبرز الحقيقة القاطعة، وهى عدم إدراك القيادات الأمريكية لإطار التحرك فى منطقة الشرق الأوسط.
إن الصراع بين العالم العربى وإسرائيل صراع قومى تغلبه عناصر عاطفية بحيث تدخله فى نطاق تلك الصراعات التى لا تقبل ولا تسمح بإجراء عمليه التوفيق، إنه لا يصلح حتى موضوعا للمفاوضات، لا نريد أن ندخل فى تفاصيل ومناقشات نظرية بهذا الخصوص ولا نريد ان نسوق كتابات المحللين الإسرائيليين لتدعيم هذا المنطق، ولكن الأمر الذى لا شك فيه أنه طالما تسيطر على القيادات الإسرائيلية مفاهيم التوسع والاستيعاب، فإنه من العبث إمكانية تصور توظيف هذا الصراع لصالح سياسة أمريكية أساسها مبدأ المساندة الإقليمية. وإذا كانت هذه السياسة قد انطلقت من أحلام اليقظة فى عام 1975 وشجعها على ذلك سذاجة قيادة السياسة الخارجية المصرية، فإن الأمر- وعقب ثمانية أعوام من الفشل المستمر- لم يعد موضوع مناقشة، لقد كان على واشنطن قبل أن تبدأ فى التفكير فى مثل هذه السياسة ومن هذا المنطق أن تبعد من مسؤولية القيادة الإسرائيلية أحزاب التعصب والتطرف، سواء اليمين المحافظ أو الدينى التقليدى، دون الحديث عن قيادات المؤسسة العسكرية الصهيونية، فهل هى قادرة على ذلك؟ ولماذا من ثم الاستمرار فى سياسة أساسها افتراضى مستحيل التحقيق؟ القائد السياسى تبرز قدرته وحنكته فى معرفة كيفية الاختيار وكيفية الحسم فى الاختيار، فهل القيادة الأمريكية الحالية قادرة وصالحة لذلك؟
(1/59)

وتبرز هذه الحقيقة واضحة عندما نقارن بين السياسة الإمريكية فى غرب أوروبا واليابان من جانب، وسياستها فى منطقة الشرق الأوسط من جانب آخر، فهى تؤيد وحدة غرب أوروبا، وهى تدفع بالصناعة الأوربية ولو على حسابها، وهى تنظر إلى الازدهار اليابانى بعين الارتياح وهى لم تقف عقبة ضد الإيناع الاقتصادى فى اليابان، حتى وهو يهددها شى عقر دارها. إنها فى جميع هذه التطبيقات تسعى للتوفيق بين أمنها الاستراتيجى الكلى الشامل، ومصالحها الاقتصادية الجزئية والمؤقتة، فلماذا تنهج سياسة أخرى مختلفة فى منطقة الشرق الأوسط ومع العالم العربى؟ لماذا تقف من الوحدة العربية موقف العداوة؟ ولماذا ترفض التطور الاقتصادى فى المنطقة العربية نحو التكامل والتصنيع بمعناه الحقيقى؟ ولماذا ترفض التجديد والتغيير؟ مرة أخرى نعيد التساؤل: هل هو نتيجة للاستخفاف بشعوب المنطقة؟ أو نتيجة لعدم قدرة القيادة الامريكية على فهم مقتضيات ما يسمى بسياسة الإجماع الاستراتيجى؟
لقد كانت تلك السياسة مفهومة ومنطقية مع نفسها حتى بداية السبعينات، عندما لم تكن تنظر واشنطن إلى منطقة الشرق الأوسط، إلا على أنها جزء من دول العالم الثالث، أما وقد أضحت نظرتها تسيطر عليها متغيرات استراتيجية مختلفة وهى التى نسميها بالإجماع الاستراتيجى، فقد كان على قيادة واشنطن أن تعيد بلورة مفاهيمها، وتخطيط سياستها من منطلقات أخرى مختلفة.
ولكن القيادات الأمريكية بقصر نظرها لا تزال تتخبط بين سياسة الاستعمار الجديد من جانب، وسياسة الإجماع الاستراتيجى أو المساندة الإقليمية من جانب آخر، فإلى متى تظل لى هذا التخبط؟ وهل هذا التخبط لصالح واشنطن ولو فى الأمد البعيد نسبياً؟
ولكن أين من كل ذلك سياسة جمع المعلومات... سؤال آخر فى حاجة إلى إجابة على حدة ".
(1/60)

وقد ألحق الكاتب- رحمه الله- فى نهاية المقال صورة كتاب (باللغة الإنجليزية) (Ropes of sand) " أحلام فوق الرمال " [ فشل سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، تأليف: ولبركرين إيفلاند . Wilpur Crane Eveland . وتحت الصورة عرف الكاتب المؤلف وهو مستشار سابق بوكالة المخابرات الأمريكية، وعضو هيئة التخطيط. كما يوضح الكاتب كيف انتهت ساسية الولايات المتحدة، حتى تلك اللحظة بالفشل الحقيقى.
المقالة الخامسة
تحت هذا العنوان كتب حامد ربيع:
سياسة المعلومات هى أحد الأدوات المساندة والضرورية لعملية التغلغل من القوى الأجنبية، لقد أضحت المعرفة الدقيقة والواضحة بمقومات الجسد، الذى يراد تطويقه عنصرا أساسيا من عناصر التعامل مع الواقع السياسى، الذى ليس هذا بالحقيقة الجديدة، ولكن متغيرات أخرى فرضت وضخمت من أهمية تلك الحقيقة. فسرعة التحرك كأحد خصائص العالم المعاصر تفسر أهمية العلم المسبق، وتتضخم الجماعات المعاصرة من حيث الكم الذى جعل تلك الجماعات ترفض إمكانيات القدرة على التنبؤ الدقيق يجعل من موضوع المعرفة التفصيلية وبصفة خاصة بكم معين أمرا بالغ الأهمية، المجموعة الاستراتيجية التى تجتمع يوم السبت من كل أسبوع فى جامعة " برنستون " بالولايات المتحدة والتى يرأسها الأدميرال "لايروس" رئيس الأركان المشتركة الفرنسية سابقاً، انتهت إلى قناعة ثابتة مدارها أن مجتمعا يتجاوز العشرين مليوناً يرفض إمكانيات التنبؤ الدقيقة، ولا يجوز لنا أن ننسى أن التطور المعاصر وبصفة خاصة فى المجتمعات المتخلفة من تمركز الكثافة السكانية فى المدن، فرض أساليب جديدة للتعامل مع حركات الرفض وثورات دول العالم الثالث.
جميع هذه الحقائق يجب أن ندخلها فى الاعتبار ونحن بصدد تحليل وفهم موضوع سياسة جمع المعلومات عن مستقبل منطقة الشرق الاوسط.
(1/61)

تحليل أى سياسة عظمى لا يمكن أن يخضع لنفس القواعد التى تخضع لها عملية الفهم العلمى لسياسة دولة صغرى أو على الأقل دولة غير عظمى، هناك مجموعة من المبادئ التى يجمب أن تكون واضحة فى الذهن ونحن بصدد تحليل سياسة جمع المعلومات، كما تطبقها فى مصر الإدارة الامريكية.
أولاً: إن أى دولة عظمى تحمل مسؤولية كبرى، ليس من حقها كما قد يتصور البعض أن ترمح بلا رقيب، القيادة الدولية تعنى مسؤولية، وهى ما يُعبّر عنه بالوظيفة الحضارية، فنترك جانباً المسميات، ولكن هناك قيودا معنوية ولو مفتعلة أو مصطنعة أو مفترضة تحكم حركتها، وتحدد الأهداف والوظائف التى يجب أن تسيطر على إطار التعامل. الدولة العظمى تملك هيبتها وتلك الهيبة إنما تستمد مصادرها الحقيقية من الجدية والصدق واحترام الكلمة المعطاة والقدرة على مواجهة الأمور بميزان المنظور والحس التاريخى، هكذا علمنا قياصرة (22) روما، ومن يريد أن يستمع عن مسؤولية القيادة الدولية فليقرأ خطبة "كاتو" العجوز فى مجلس الشيوخ الرومانى، وهكذا سار على الدرب خلفاء دمشق وبغداد، ورغم خلافنا معهم فى العقيدة والرأى، فليعد قادة اليوم إلى خطب بابوات روما وهم يتحدون الأحداث، الولايات المتحدة تقف اليوم قائدة للعالم الحر، فهل تفهم معنى تلك المسؤولية؟
(1/62)

ثانياً: كذلك فإن سياسة الدولة العظمى لا بد وأن تكون منطقية مع نفسها، إنها تلك القدرة والمقدرة ومن ثم هى قادرة على أن تخضع حركتها لمنطق محدد، من حيث مقدماته ونتجائه، وعليها ألا تتحرك إلا فى نطاق ذلك المنطق، ولعل هذا يفسر ما يقوله علماء العلاقات الدولية من أن التنبؤ بسياسة دولة عظمى أسهل بكثير من تحديد التوقعات بصدد سياسة دولة صغيرة، هذه فى تقاليد السياسات العظمى الواعية. إن السياسات العظمى تجعل محاور حركاتها ثابته، حيث المتغيرات الاستراتيجية محطات قائمة لا تبدل وحيث منطق التعامل يتشكل بتلك المتغيرات فقد تفاعلت بالوظيفة من جانب، والهيبة من جانب آخر، فأين من هذه السياسة الأمريكية؟ وكيف يمكن تفسير تلك السياسة بصدد مشكلة الأرجنتين وجزر المالديف؟ وهنا لا يستطيع المحلل إلا أن يلاحظ الفارق الواضح بين سياسة الاتحاد السوفيتى والسياسة الأمريكية، الأولى تحترم تقاليذا ثابتة وضعتها القياصرة خلال عصور متعاقبة من المعاناة، بينما الثانية لم تحترم حتى تلك المثاليات ولو شكلاً، التى صاغها قادة عظام من أمثال جورج واشنطون وويلسون وروزفلت.
(1/63)

ثالثا: كل هذا يصبغ على سياسة الدولة العظمى نوعاً من الاستقرار والوضوح، فهى تملك تقاليد معينة، ولا بد أن تحترم تلك التقاليد وهى تملك هيبة معينة، وتعلم أن تلك الهيبة لها ثمنها ولها عائدها، وهى لها كلمتها التى تعرف كيف تحترمها مهما كانت الظروف، وهى لا تسير وراء الآخرين ولكنها تتصدر الجميع، ولم يعرف التاريخ نموذجاً أضحت فيه دولة عملية تصير هى المسيطرة على دولة كبرى توجهها وتخضعها لتعاليمها كما يحدث اليوم فى العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، لقد استغنت الولايات المتحدة عما كان يسميه ديجول سياسة العظمة، ولجأت إلى ما تسميه سياسة الإخراج المسرحى، فكيف تقبل دولة عظمى لنفسها أن تنزل إلى ذلك المستوى؟ رغم كل ما توصف به سياسة مصر الخارجية خلال الأعوام الخمسة الأخيرة فإن خطأها القاتل هى أنها ظنت أن الولايات المتحدة وهى دولة عظمى تتبع سياسة تنطلق من مبادئ ومفاهيم وتقاليد السياسات العظمى، ونسيت أن الولايات المتحدة لم تعد تملك تقاليدا أو قيادة، بل ويخيل إلينا أنها لا تعرف مصالحها الحقيقية، وبصفة خاصة فى الأمد البعيد.
هذه المفاهيم يجب أن تكون واضحة ونحن بصدد تحليل سياسة جمع المعلومات التى تعيشها مصر فى هذه اللحظة.
قبل أن ننطلق فى تحديد أهداف واشنطون من سياسة جمع المعلومات فى مصر، وكيف أنها تسير فى طريق خاطىء يعكس التردد وعدم وضوح الرؤية من جانب، والخروج عن قواعد وتقاليد السياسات العظمى من جانب آخر، لتصير أسيرة دولة صغيرة تمثل كياناً مصطنعاً لا قيمة له فى ذاته من جانب آخر، علينا أن نتذكر الحقائق الثاتبة بصدد هذه السياسة.
(1/64)

أولاً: إن ما ينفق من ملايين فى مصر حول هذه البحوث المشتركة ليس مرده حب مصر والتغنى بجمال المصريين، ومن يحدثنى عن الاهتمامات الأكاديمية فلا أستطيع أن أصفه إلا بالبلاهة لو أردت أن أفترض فيه حسن النية، وهو أمر بدوره موضوع احتمال هناك أهداف خفية تجعل الإرادة الأمريكية تلهث وراء معرفة خفايا الوجود المصرى سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، وليس فقط من حيث الخصائص السلوكية واحتمالاتها المستقبلية، هذه العملية تنبع من مخطط معين يسيطر عليه السعى نحو أهداف معينة فما هى؟ ورغم أن السلطات المصرية ظلت حتى الآن تغمض عينيها عن ذلك الذى يدور حولها، فهل آن الأوان لأن نتساءل وبصراحة: ما هى حقيقة هذه الأهداف؟
(1/65)

ثانياً: السياسة الأمريكية رغم جميع نواحى النقص التى سبق ورأيناها تملك قوتها، مما لا شك فيه أن قوتها الحقيقة هو ضعف الإرادة المصرية، فى مواجهة الغزو الفكرى الذى تخضع له مصر دون حياء، والواقع أنها بهذا الخصوص لا تفعل سوى أن تسير على الدرب الذى سبق وجربته السياسة البريطانية، ولكن مع ذلك الفارق فهى دولة أكثر قوة وأكثر عنفا فى قوتها، ومصر أكثر ضعفا وأكثر استسلاماً إزاء الفاتح الجديد. أين مصر التى أنجبت العقاد، وأين مصر سعد زغلول التى وقفت صفاً واحداً إزاء "مللنر" ترفض حتى مجرد الخطاب مع مثل الدولة المستعمرة من مصراليوم؟ السياسة الأمريكية تعيد قصة السياسة الأنجلوسكسونية فى وادى النيل، منع مصر أولاً من أن تصير قوة ضاربة فى المنطقة، إنها تعلم أن مصر هى المدخل المتحكم فى المنطقة، وطالما أنها تريد أن تسيطر على المنطقة فلن يتأتى لها ذلك إلا إذا عزلت مصر عن المنطقة، وعملية العزل أبعادها متعددة: تحطيم إرادة التكامل ليس سوى أحد أبعادها، وهى من جانب آخر تقوم بعملية تطويع كلى وشامل للإرادة المصرية، بحيث تجعل من الجسد المصرى كياناً لا مفاصل له، وهى من ثم بأساليب متعددة ترحب وتشجع عملية خلق التسيب، بحيث يصير الجسد مترهلاً غير قادر على أى نوع من أنواع التماسك.
ثالثا: ولنتذكر أخيرا أن السياسة الأمريكية تقف أسيرة للإدراك الصيهونى فى كل ما يتعلق بالتعامل مع المنطقة، إنها تعيش أسيرة أهداف القيادة الإسرائيلية، ولا يجوز أن تخدعنا عمليات الإخراج المسرحى، حول إخراج "شارون " أو تنحيته عن وزارة الدفاع، إنها نوع من المسكنات لامتصاص نقمته لخطة، أو بعبارة أخرى هى تراجع خطوة للقفز خطوتين إلى الأمام، هدف السياسة الإسرائيلية هو تجزئة المنطقة إلى دويلات (23) وتحويلها إلى نموذج آخر لما أصاب البلقان فى بداية هذ القرن.
(1/66)

إن هدف إسرائيل من هذه العملية هو تحقيق أهداف ثلاثة فى آن واحد: تحويل المنطقة إلى كيانات صغيرة طائفية بحيث يسهل التحكم فيها من جانب، إقليمية بحيث تشغل قوى المنطقة لنصف قرن على الأقل من الزمان حول مشاكل حدود مصطنعة من جانب آخر، ومن ثم تمكين النفوذ الإسرائيلى والاقتصادى الصيهونى الذى تتستر خلفه الشركات المتعددة الجنسيات من التوسع واستيعاب المنطقة من جانب آخر، ليس هذا موضع التحليل فيما يسمية الفقه الإسرائيلى، أمن الدولة العربية فى الثمانينات، ولكن الذى يعنينا أن نؤكد على أن هذا التصور تحتضنه وتتبناه السياسة الأمريكية:
ا- فمنذ عام 1975 لم يفتأ "ريمون إده " رجل لبنان العاقل، الذى غادر بيروت واستقر بباريس، ليعلن عن ذلك المخطط، ليس فقط بصدد لبنان، بل وكذلك بصدد جميع أجزاء منطقة الشرق الأوسط.
2- وهو مخطط اتجه أولاً إلى قبرص وأحداثها معروفة، بل والبعض يتحدث عن محاولات لتطبيقه فى تركيا، حيث حدث الصدام العنيفة بين الشيعة والسنة فى عام 1980- تصريحات الرئيس اللبنانى السابق " سليمان فرنجية " عن محاولات الولايات المتحدة فى بناء دولة (مارونية) فى لبنان ابتداء من عام 1978 صادرة من شخص مسؤول ينتمى إلى تلك الطائفة، الأمر الذى يضفى عليها مصداقية معينة.
4- على أن أخطر ما يؤكد ذلك أقوال كيسنجر نفسه فى حديثه المشهور لمجلة (الإكونو ميست) اللندنية فى نوفمبر الماضى " عدد 13 نوفمبر 1982 " عندما أعلن: " إن الاعتراف بالدولة الإسرائيلية من جانب منظمة التحرير والدول العربية، لن يكون إلا بداية عملية تعديل وتنظيم للأوضاع الإقليمية تبعاً للإرادة الإسرائيلية "، بل ولا يتردد أن يضيف بصفاقة منقطعة النظير: " إن الخطر الحقيقى فى هذه المنطقة سوف يتمركز حول عدم القبول بالإرادة الإسرائيلية ".
(1/67)

لا نريد أن نتساءل: هل هذا صالح الولايات المتحدة؟ ولا نريد أن نعيد ونكرر: أليس هذا مخالفا للهدف الأساس؟ الذى سيطر على الدبلوماسية الأمريكية وهو خلق الإجماع الاستراتيجى فى المنطقة، إن هذه هى حقيقة الإدراك الأمريكى، وعلينا أن نتعامل مع الموقف الذى تعيشة المنطقه ومصر على هذا الأساس، وأن نحلل مخاطر الموقف فقط من هذا المنطلق ".
ما هى أهداف السياسه الأمريكية من جمع معلومات عن مصر تحت ستار الأبحاث المشتركة؟
الأهداف الثلاثة بصفة خاصة:
أولاً: تطويع القوى الراديكالية أو اليسارية.
ثانياً: اكتشاف مواقع وقوى الرفض المتوقعة.
ثالثا: الإعداد والمساهمة فى عملية تجزئة مصر فلنتابع هذه النواحى بالتفصيل.
أول هذه الأهداف وأقلها أهمية يدور حول تطويع القوى اليسارية، لقد تساءل البعض، لماذا يغلب على المتعاونين مع السلطات الأمريكية الطبيعة الراديكالية؟ وجاءت إجابة على صفحات هذه الجريدة تحدد بأن أحد أسباب ذلك هو أن " الباحث الذى يتخذ موقفا راديكالياً يتميز بالجدية فيمكن الاعتماد عليه " تبسيط مبالغ فيه، وتعبير عن عدم فهم لحقيقة الأمور، التعاون مع الراديكاليين، وهذه كلمة مهذبة لمصطلح الشيوعى أو صاحب الميول اليسارية، يثير طبيعة هذه القوى فى دول العالم الثالث وبصفة خاصة فى المنطقة العربية. فى حقيقتها القوى اليسارية فى دول العالم الثالث هى قوى تعودت أن تركب كل، موجة، يصفها المحللون الأوربيون بأنها تمثل "الانفتاح الفكرى " إنها أضعف القوى السياسية فى العالم العربى، أين كان موقفها من جمال عبد الناصر، وهى اليوم تزعم أنها خليفة الناصرية، وأين كانت من القضية الفلسطينية فى الأربعينات، وهى اليوم ترفع شعار تلك القضية؟
سياسات المعلومات أتاحت للإرادة الأمريكية من خلال تعاملها مع تلك القوى تحقيق أربعة أهداف فى آن واحد:
(1/68)

ا- إفقاد تلك القيادات الفكرية التعاطف من جانب الرأى العام القومى، أو ما يعبر عنه بكلمة " إحراق العميل " إنها تقول بلغة مقنعة لرجل الشارع: انظر هذا هو قائدك اليسارى يبيع أمته، وأمن أمته بعدة ملاليم، من تلك الجهة التى يزعم بأنه يحاربها باسم المجتمع القومى، الذى يرفع راية شرفه والكفاح من أجل كرامته، وهى لا تمثل نموذجا جديداً للتعامل إذ سبق أن استخدمته الصهيونية الأمريكية فى القضاء على خصومها فى أواخر الأربعينات.
2- وهى تربط هؤلاء اليساريين بالمصالح الأمريكية، والواقع أنه من المعروف فى خلق العملاء ألا تتجه إلا إلى المعقدين نفسياً، العلماء الذى يشعرون بأن حقوقهم مهضومة، ذوى الأصل الفقير الذين يتطلعون إلى الرفاهية واليسر، المفكرون الذين قد ترسبت لديهم القناعة بأنهم غير مفهومين وغير قادرين على الاتصال مع المجتمع الذى ينتمون إليه يمثلون خير العناصر الصالحة لذلك، القيادة النازية أثناء الحرب العالمية الثانية كانت تتصيد العاهرات (24) لتجعل منهن مصدرا للمعلومات لسببين: أولهما: لأنها كانت تعلم بأن تلك العاهرات أكثر عناصر المجتمع تعقيداً لسبب المهنة التى يمارسنها، وثانيهما: العقد تؤدى إلى ضعف الشعور بالانتماء القومى، ومن ثم عدم صلابة الولاء القومى، صاحب العقد النفسية على استعداد دائماً لأن يفسر خيانته بأن يجد لها مبرراً وجيهاً أمام نفسه وضميره.
3- ثم هى فى ذاتها مصدر للمعلومات، اليساريون الذين يتعاونون مع أجهزة المعلومات، يخضعون لعملية ملاحظة مستمرة، بحيث يمكن من خلال تجميع معلومات عنهم، ومنهم تحديد خصائص القوى اليسارية الرافضة، ولعلى لا أعلن سرا عندما أذكر أن هؤلاء السادة العلماء يحجون عدة مرات إلى الجامعات الأمريكية، بدعوى المناقشة تارة فى خطة البحث، وتارة فى نتائج البحث، بينما فى الواقع أنهم هم أنفسهم الذين يصيرون مادة البحث.
(1/69)

4- الهدف الرابع: وهو أن هذه القوى خير العناصر لجمع المعلومات المسطحة، ويعنى ذلك أن المعلومات فى أغلب الأحيان يصحبها نوع من الانفعال، وسواء كان الإنفعال مرده التأييد المبالغ فيه أو المعارضة المبالغ فيها، فإنه يفقد المعلومة قسطا من موضوعيتها، ولذلك ففى أجهزة الأمن القومى الأمريكى هناك جهاز وظيفته ما يسمى بعملية "تسطيح المعلومة"، أى إفقادها عنصر العاطفة الراديكالى بحكم تكوينه أقل عاطفية سواء كان اليمينى حيث يصير مدافعا عن النظام الأمريكى عن قناعة، أو القومى فى معناه التقليدى حيث يتخذ الموقف العكسى.
إن أحد أهم أسباب تخلى الاتحاد السوفيتى عن التورط فى منطقة الشرق الأوسط طبقا لتفسير بدأت تتداوله فى الأعوام الأخيرة الأقلام مستنداً فى هذا إلى وثائق جديدة وجديرة بالاهتمام، هو أنه قد تعلم أن يحتقر أذنابه فى تلك المنطقة، ومن يرد تفاصيل فليقرأ كتاب " كيمش " بعنوان "إسرائيل أو فلسطين " ولنتذكر أن هذه ظاهرة تكررت أيضاً فى بعض الدول الأوربية، وبصفة خاصة فى إيطاليا وفرنسا.
(1/70)

الهدف الثانى من الأهداف الثلاثة الرئيسية: هو اكتشاف قوى الرفض الممكنة أو المحتملة وخصائصها، وهذا ما يعلنه صراحة " ميتشيل كلار" فى تقريره الذى سبق وأشرنا إليه فى أكثر من مناسبة، يقول الكاتب المذكور فى أحد فقراته: بينما كانت الاستراتيجيات السابقة تهتم أساساً بتهديد الحركات الثورية الآتية من المجتمعات الريفية والزراعية، كانت اتجاهات الفقة الحالى تولى اهتمامها أكثر وأكثر لحركات الرفض فى المدن، هذا التطوير يُفسّر من جانب بالتضخم المتزايد لمجتمع المدينة، وبصفة خاصة فى دول العالم الثالث ومن جانب آخر بتلك الحقيقة الثابتة، وهى أن الفقر أضحى يتمركز بشكل واضح فى تلك الأماكن المحيطية بالمدن، فى أغلب مجتمعات العالم الثالث ويبينها العالم الأمريكى " لوسيان باى" الأستاذ بمعهد ماسا شوسيت للتكنولوجيا- وهو الذى يتعاون مع جامعة القاهرة. بأن "مستوى المدن التى تتزايد وتتضخم باستمرار، والتى تم تسييسها بعنف، أضحت بمثابة مسدسات مصوبة إلى الحكومات المسؤولة، ويضيف ميتشيل كلار فيحدد: " للاحتفاظ بالنظام فى مواجهة هذه المسدسات- فإن الاستراتيجيين الأمريكيين يتصورون بناء قوة بوليسية شبه عسكرية، قد سلحت بأدوات متقدمه ضد المظاهرات وضد الإرهاب.
الواقع المصرى يثير عدة مشاكل بخصوص هذه المدركات، فى حاجة إلى معلومات ميدانية جديدة وأكثر دقة من تلك المتداولة ذلك أن المجتمع المصرى يتميز بخصائص ثلاث تبلورت بصفة خاصة خلال الأعوام العشرة الأخيرة:
أولاً: التحرك من المجتمع الزراعى الريفى نحو المجتمع المدنى المصرى.
ثانياً: ارتفاع فئة الحرفيين إلى الطبقة الوسطى، وانخفاض جزء من الطبقة الوسطى التقليدية إلى الطبقة السفلى بصفة خاصة فى مجتمع المدينة.
ثالثا: سيطرة عنصر الشباب.
(1/71)

لقد ظلت مصر حتى وقت قريب وهى تتميز أساساً بأنها مجتمع ريفى، المدن الضخمة فى مصر لم تكن سوى القاهرة والإسكندرية، الذى حدث منذ ثورة يولية وعقب التطور الصناعى أن تضخم مجتمع المدينة، المدن الضخمة فى مصر تتجاوز اليوم عشرين مدينة، وهى قد أضحت مدناً عملاقة من حيث الكم، القاهرة تحتوى فى كل صباح على أكثر من عشرة ملايين.
كذلك وبصفة خاصة فى مجتمع المدينة، فقد حدث انقلاب خطير فى الهرم الاجتماعى، لم تعد الطبقة الوسطى تتكون أساساً من الموظفين ورجال المهن الحرة، إذ انفصل جزء كبير من الفئة الأولى أى الموظفين وتحرك إلى أسفل، ليمثل مركزه فى أعلى الطبقة السفلى، بينما ارتفعت شريحة هامة من الطبقة السفلى، وهى المتمثلة فى المهن الحرفية " السباكة والنجارة على سبيل المثال " لتحتل مكاناً مرموقا فى الطبقة الوسطى.
هذا التطور الذى قد يبدو لأول وهلة محدود الأهمية، له نتائج خطيرة فى الطبقة الرافضة، لم تعد طبقة الأُجراء كما تعودنا من منطلق الخبرة الماضية كذلك فإن الطبقة المثقفة بالمعنى التقليدى أضحت تسيطر على الطبقة السفلى، وهذا يعنى أن الطبقة الرافضة أضحى يغلب عليها عنصر المثقف، ونحن نعلم أن الطبقة الرافضة هى المقدمة الطبيعية للحركات الثورية أو ما فى حكمها.
أضف إلى ذلك غلبة عنصر الشباب، إن أكثر من نصف المجتمع المصرى المعاصر أقل من سن العشرين، وهذا يصغ على المجتمع دينامية معينة يعبر عنها علماء التحليل السياسى بقولهم: إنه صالح لسرعة الاشتعال.
(1/72)

هذه الخصائص الجديدة تفرض أسلوباً جديدا فى التعامل، وهو ما يعلن عنه صراحة الخبير الأمريكى السابق ذكره، ولكن لابد لذلك من اكتشاف دقيق لهذه الخصائص وتحديدها كمّاً وكيفاً، وهنا تبدأ أهداف الأبحاث الميدانية تبرز ظاهرة واضحة للعيان كم كنا نتمنى أ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الجزء الثالث من اعرف عدوك كيف يخطط للدكتور حامد عبد الله ربيع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» استمرار لسلسة اعرف عدوك كيف يخطط(الجزء الثانى)
» علمينا يا امى الجزء الثالث
» قصة يوسف عليه السلام-الجزء الثالث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قلب الحياة :: المنتدى العام :: مناقشة حرة-
انتقل الى:  
أختر لغة المنتدى من هنا

قلب الحياة

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الأن بتوقيت (مصر)
جميع الحقوق محفوظة لـقلب الحياة
 Powered by Aseer Al Domoo3 ®https://qalapalhaya.ahlamountada.com
حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010