قلب الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قلب الحياة

أعوام من الوجود بعالم الشبكة العنكبوتية
 
الرئيسيةالمستشار الاجتماعي المجانى البوابةدخولالمستشار القانوني المجانيالتسجيلأحدث الصورالعاب اون لاين مجانا

 

 استمرار لسلسة اعرف عدوك كيف يخطط(الجزء الثانى)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
AHMED NASSAR
عضو جديد
عضو جديد
AHMED NASSAR


احترام قوانين المنتدى احترام قوانين المنتدى : 100 %

رسالة sms : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 120px" border=1][tr][td]
النص المرافق[/td][/tr][/table]


عدد المساهمات : 11

نقاط : 31

السٌّمعَة : 0

تاريخ التسجيل : 17/11/2011

الابراج : القوس


استمرار لسلسة اعرف عدوك كيف يخطط(الجزء الثانى) Empty
مُساهمةموضوع: استمرار لسلسة اعرف عدوك كيف يخطط(الجزء الثانى)   استمرار لسلسة اعرف عدوك كيف يخطط(الجزء الثانى) Icon_minitimeالجمعة نوفمبر 18, 2011 8:39 am

أولاً: أسلوب جمع المعلومات الميدانى، هو المسيطر على المنطق الأمريكى، كنتيجة للمدرسة السلوكية التى تتحكم فى المنطق العلمى للتحليل الاجتماعى والسياسى فى تلك التقاليد.
ثانياً: إن هذه المعلومات ليست بقصد علمى منزه، لقد كانت تقوم بها فى ألمانيا واليابان قوات الاحتلال، وتخضع لإدارة عسكرية، وهى اليوم فى المجتمعات المتخلفة تتولاها أجهزة فى ظاهرها جهات مدنية، ولكنها تنتهى بأن تصب فى أجهزة الأمن القومى الأمريكى الصانعة للسياسة الخارجية لتلك الدولة، أو على الأقل المحددة لأهم مؤشرات ومتغيرات تنفيذ تلك السياسة.
ثالثاً: كذلك فإن هذا المفهوم للتعامل لا يعود للأمس القريب، لقد طُبّق فى ألمانيا الغربية منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية، وطبق بالنسبة لليابان منذ فترة سالفة على الحرب العالمية الثانية. يخبرنا " كاهن" فى مؤلفه السابق ذكره بأن ذلك تم أثناء الحرب حيث طبق على اليابانيين المقيمين بالولايات المتحدة بل ومنذ عام 1942.
(1/18)

رابعاً: ونستطيع أن نضيف إلى ذلك أنه بالنسبة للمنطقة العربية، فإن تطبيق هذا الأسلوب لا يعود إلى الأمس القريب، يخطئ من يتصور أن بداية عملية جمع المعلومات الميدانية عن مصر تعود فقط إلى عدة أعوام، لقد بدأت الولايات المتحدة فى تنفيذ هذه السياسة مند عهد عبد الناصر، وعلى وجه التحديد عقب حوادث وحدة مصر مع سوريا، ثم حرب اليمن، ولكن تم ذلك خلال تلك الفترة بطريق الوسيط، وأستطيع أن أؤكد أن ذلك تم خلال الفترة من خلال منظمة فورد (6) التى بدورها عهدت إلى بعض الإيطاليين وواحد منهم دون ذكر اسمه مؤقتاً شخص تصفه الأوساط العالمية الإيطالية بأنه اكبر " نصّاب " فى تاريخ إيطاليا العلمى الحديث، قام بإنشاء مركز مصطنع وهمى فى إحدى الشقق الخاصه بروما ومن خلاله استطاع التسرب إلى مصر عن طريق بعض الأجهزة المسؤولة ذات البريق الجذاب، وقام بجمع المعلومات اللازمة، سواء بخصوص تطور العمالة المصرية فى العالم العربى، أو سواء بصدد انتشار المفاهيم والمدركات المصرية فى العالم العربى، وأثر كل ذلك على الاندماج العربى، وهذه الدراسات التى نوقشت فى ميلانو وشاءت المصادفة إلا أن أحضر المناقشة، بوصفى أستاذاً خارجياً فى جامعة روما، كانت هى الأساس الذى استتر خلف سياسة واشنطن، عقب ذلك ابتداء من عام 1974 وانتهاء بالتوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد.
وسوف نعود للتفاصيل وندعمها بالوثائق.
(1/19)

ب- كل هذا يقودنا إلى أهداف تلك السياسة الخاصة، بجمع المعلومات، ورغم أننا سوف نطرح التفاصيل فى مقالاتنا المتتابعة إلا أننا نود منذ البداية أن نذكر بأن عملية جمع المعلومات هذه تستند إلى تحالف وثيق، وتنسيق بين الأجهزة الأمريكية من جانب والأجهزة الاسرائيلية من جانب آخر، وأجهزة حلف الأطلنطى من جانب ثالث، والمخابرات الأمريكية بصفة خاصة تعمل بتوافق تام مع أجهزة الأمن الإسرائيلى، والسؤال الذى يجب أن نطرحة بصراحة ووضوح، ما هى أهداف السياسة الإسرائيلية البعيدة المدى والتى تتفق مع السياسة الأمريكية، وكيف تستطيع عملية جمع المعلومات هذه أن تخدم كلا السياستين ؟
لقد ظلت مصر دائماً فى جميع مراحل تاريخها متماسكة، قومياً وسياسياً واقتصادياً، لماذا ؟
التاريخ والطبيعة الجغرافية والتقاليد الحضارية تجيب على هذا التساؤل، ولكن ما هو أخطر من ذلك؟ هو أنه لم يكن من صالح الدول المستعمرة أو المحتلة تجزئة مصر، ستة آلاف عام ظلت خلالها مصر ومنذ عهد (مينا) دولة واحدة تعبر عن كيان قومى واحد. ولكننا اليوم نعيش مرحلة فيها قوى دولية تطمع فى مصر، ومن صالحها تجزئة ذلك الكيان فهل نحن على وعى بذلك؟ لأنها فى نهاية القرن سوف تصير ثمانين مليوناً ولأن موقعها الاستراتيجى أضحى أكثر خطورة على مصالح القوى الكبرى ، ولأن حقيقة الصراع الدولى تغيرت معالمه وخصائصه، ولو استطاعت مصر أن تهيئ لنفسها قيادة حقيقية فهى مؤهلة، لأن تجمع تحت رايتها جميع دول المنطقة العربية، وهذا يعنى نتيجتين:
أولاً: انتهاء إسرائيل سواء باستئصالها واقتطاع وجودها، أو بذوبانها وابتلاعها.
ثانياً: وضع حد لعملية النهب التى تمارسها القوى الدولية والشركات الكبرى المتعددة الجنسية فى جميع أجزاء المنطقة العربية.
(1/20)

من يريد أن يعرف كيف تفكر القيادة الإسرائيلية، فليعد إلى كتاب "بن جوريون " الذى أنهاه قبل موته بعدة أشهر، والذى يعتبر وصية للجيل الذى أعقبه بعنوان "A Personal History " " تاريخ شخصى " كتاب ضخم يقع فى حوالى ألف صفحة يشرح فيه كاتبه من خلال حياته تطور وظيفة إسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط، فهل قرأه أحد من السادة علماء السياسة الذين تطوعوا لخدمة السادة الجدد لقاء عدة ملاليم دون وعى ودون حياء؟
فلنعد للتساؤل: ما الذى تخطط له إسرائيل بالنسبة لمصر فى الأمد البعيد ولو نسبياً ؟
إن المخطط العام الذى يسيطر على القيادة الصهيونية، وهو تجزئة المنطقة وتحويلها إلى كيانات (7) صغيرة يسيطر عليها مفهوم الدولة الطائفية، ومصر هى الدولة الوحيدة التى سوف تقف عقبة فى وجه هذا المخطط. ولكن هذا لا يمنع القيادة الصهيونية من أن تفكر فى تنفيذ نفس السياسة أيضاً بصدد وادى النيل، بل إن المخاطر التى يتعرض لها هذا الكيان الصهيونى، لو ظلت مصر فى تماسكها أولاً وفى تضخمها الديمقراطى ثانياً، وفى تقدمها العلمى والتكنولوجى ثالثاً هى قاتلة والقيادة الإسرائيلية تعلم ذلك جيداً، فهل تقف صامتة؟
الخيال الصهيونى يتصور هذه التجزئة فى أربعة (Cool محاور أساسية:
أولاً: محور الدولة القبطية الممتدة من جنوب بنى سويف حتى جنوب أسيوط، وقد اتسعت غرباً لتضم الفيوم التى بدورها تمتد فى خط صحراوى يربط هذه المنطقة بالإسكندرية التى تصير عاصمة الدولة القبطية، وهكذا تفصل مصر عن الإسلام الإفريقى الأبيض وعن باقى أجزاء وادى النيل (9).
ثانياً: ولتزيد من تعميق هذه التجزئة تربط الجزء الجنوبى الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى، حيث أسوان تصير العاصمة لدولة جديدة دولة تحمل اسم دولة البربر.
(1/21)

ثالثاً: الجزء المتبقى من مصر سوف تسميه مصر الإسلامية وهكذا تصبغ الطابع الطائفى على مصر بعد أن قلصتها من عاصمتها التاريخية فى الشمال وعاصمتها الصناعية فى الجنوب.
رابعاً: وعندئذ يصير طبيعياً أن يمتد النفوذ الصهيونى عبر سيناء ليستوعب شرق الدلتا بحيث تصير حدود مصر الشرقية من جانب فرع رشيد، ومن جانب آخر ترعة الإسماعيلية، وهكذا يتحقق الحلم التاريخى (10) من النيل إلى الفرات، طبقاً للشطر المتعلق بالفرات ليس هذا موضعه ولكنه بدوره يخضع لتصور آخر.
سوف نسمع الصيحات: خيال مريض! ولكن ألم نصف ما حدث فى لبنان منذ عشرة أعوام بأنه خيال، وها هو اليوم يتحقق أمام أعيننا؟ عندما كتبنا ننبه الأذهان فى كتابنا عن " الحرب النفسية " قبل حرب أكتوبر اتهمنا بالمبالغة وكنا نتمنى فى قرارة أنفسنا أن نكون فعلاً مبالغين، ولكن ها هو كل ما تنبأنا (11) به قد تحقق، واليوم هذه التصورات التى نطرحها سبق وحددناها فى كتابنا عن " اتفاقيات كامب ديفيد " ونعود اليوم لنؤكدها وقد ازددنا قناعة، بل نود أن نضيف بأن الوثائق المتعلقة بالحديث عن "جمهورية سيناء المستقلة" موجودة فى مصلحة الاستعلامات بالقاهرة، فهل فكر أحد فى تحليل واستخلاص دلالتها من هذا الجهاز الضخم المسؤول عن أمن مصر؟
سؤال ليس فى حاجة إلى إجابة.
إن أخطر ما يجب أن نلحظة، وأن نؤكد عليه هو أن التطور الذى نعيشه جعل سياسة القوى الكبرى تتتفق فى مصالحها مع سياسة إسرائيل، لا فقط بمعنى عزل مصر بل وبمعنى تجزئة مصر، ورغم أننا أيضاً سوف نعود لهذا بتفصيل فى مواضع أخرى، إلا أننا نقتصر بهذا الخصوص على أن نطرح علامات الاستفهام التالية:
أولاً: لماذا اهتمت الأبحاث الميدانية التى أجرتها الهيئات الأمريكية على وجه الخصوص بمحافظة الفيوم وكذلك بمدينة أسوان؟
(1/22)

ثانياً: وهل الاهتمام بمحافظة الفيوم ينبع من التصور الإسرائيلى بخصوص الدولة القبطية؟ الذى أساسه ضم الفيوم إلى المحافظات الأخرى السابق ذكرها، وشق طريق صحراوى يربط هذه المنطقة عبر وادى النطرون بالإسكندرية، التى سوف تصير عاصمة للدولة الجديدة، وقد اتسعت لتضم أيضاً جزءاً من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح ؟
ثالثا: وهل هناك علاقة بين الاهتمام بأسوان، والحديث المتردد عن دولة البربر، التى سوف تمتد حينئذ لتشمل الصحراء الكبرى من جنوب المغرب حتى البحر الأحمر؟ التفكير فى دولة البربر قديم، أثارته بعض الاتجاهات الاستعمارية الفرنسية قبل الحرب العالمية الثانية، وعندما بدأت تتكشف أهمية البترول المنتشر فى الصحراء الجزائرية وحولها، ولكن التفكير اصطدم بعدم وجود مدينة فى جميع أجزاء هذه المنطقة، لتجعل منها فرنسا عاصمة للدولة الجديدة، وبينما راحت الأقلام تلح على التفكير الجدى فى إنشاء تلك العاصمة، نشبت الحرب، وتوقفت جميع هذه المشروعات، اليوم الأهداف مختلفة: فالسياسة الأمريكية تريد خلق حائط يمنع الإسلام العربى من الالتقاء بالإسلام الأسود (12) وهى تريد أن تحمى مراكز الثروة الطبيعية فى وسط إفريقيا، وهى تعلم جيداً حاجتها إلى تلك المصادر، التى أضحت توصف بأنها مصادر للمعادن الاستراتيجية، ولنتذكر على سبيل المثال النيكل والبلاتين والقصدير، دون الحديث عن اليورانيوم، وهكذا تلتقى أهداف التجزئة لمصر مع أهداف الإحاطة، والتحزيم للسياسة الإمبريالية، فهل سوف تحل مدينة أسوان هذه المشكلة ؟ لتصير عاصمة الدولة البربرية؟ والجميع يتحدث اليوم عن الوحدة الثقافية لشعب البربر وعن الالتقاء الطبيعى بين شعب النوبة والشعب البربرى، فهل هذا عشوائى؟
(1/23)

رابعاً: وهل صحيح أن هناك دراسة ممولة من الجانب الأمريكى حول هذا الطريق الصحراوى الذى سوف يربط الفيوم بالإسكندرية؟ وهل بدأت هذه الدراسة فعلاً أم أنها لا تزال فى حيز الإعداد (13) ؟
أسئلة عديدة نطرحها مؤقتاً،
ولكن الجعبة لا تزال عامرة بالمفاجآت!!! "
المقالة الثانية
تحت هذا العنوان كتب حامد ربيع:
" هل نستطيع طرح الموضوع بشىء من الهدوء، والنظرة البعيدة المدى، دون ذلك التشنج الذى تعودناه فى مناقشاتنا منذ عدة أعوام؟ نحن علماء، والعلم يعنى الوصفية فى المواجهة، والمتابعة المنطقية فى التحليل، والصلابة فى النتائج، والحياد فى التقييم، ليس هدفنا فى هذه الصفحات أن نثير الماضى، وأن نتحدث عن المسؤول فلنترك ذلك جانباً ولكن نريد أن نقتنع بمصالح أمتنا الحقيقية، وكيف يجب أن نبنى إطارنا فى التعامل مع الواقع، الذى تعيشه مصر من جانب، والمنطقة العربية من جانب آخر، وموضع مصر من تلك المنطقة من جانب ثالث.
فلنجعل هذا وحده منطلقنا فى تناول الموضوع. هناك، وقبل أن ندلى بدلونا فى العناصر المختلفة التى سوف تدفعنا إلى جوهر المعالجة التفصيلية نقاط ثلاث، يجب أن تكون واضحة ومقننة منذ البداية، حيث لا موضع حولها لمناقشات:
أولاً: دقة وخطورة عملية التعامل مع المعلومات.
ثانياً: خصوصية العلماء العرب الذين يأتون من الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثاً: طبيعة التطور العام فى المنطقة، وأهميته للاستراتيجية الأمريكية الجديدة وموضوع عملية جمع المعلومات من هذه الاستراتيجية.
أول هذه المنطلقات والتى يجب أن تكون واضحة فى الذهن، هى ما يتعلق بعملية جمع المعلومات، من متابعة التعليقات المختلفة التى تثار بهذا الخصوص، نلحظ نوعاً من السذاجة المنقطعة النظير، ونحن نتساءل :
(1/24)

هل هى سذاجة مصطنعة أم سذاجة حقيقية ؟ هل يتصور أولئك الذين يقولون بأن هذه المعلومات متوفرة فى الخارج، ونحن مهما أحطناها بسرية فلا يمكن أن تظل خافية على الآخرين إنه لا يوجد فى عالمنا العربى من يعرف حقيقة التعامل مع المعلومات؟ إنهم هم الذين لا يعرفون كيف تتم عملية جمع المعلومات؟ كيف تتم عملية استخدام المعلومات فى بناء التصور، وخلق مسالك التنبؤ؟ أم أن الحقيقة تجمع بين هذا وذاك؟
أ- فالملاحظة أولاً أن من يعهد إليهم بهذه البحوث فى كثير من الأحيان لا يملكون أى معرفة حقيقية بالبحوث الميدانية، لم تقدر لهم الدراسة العلمية السابقة، ولم تقدر لهم التجربة الواقعية الحقيقية، وهم إلى جانب ذلك يمتازون بالسطحية من جانب، والغرور من جانب آخر، وهذا سلاح ذو حدين: فهو من جانب يجعل المرء يطمئن إلى عدم قدرة هؤلاء على البحث الحقيقى، واكتشاف الحقائق المستترة خلف هذه المعلومات، ولكن من جانب آخر يصيرون أداة واعية فى يد المخطط الأجنبى (14) الذى يجلس إلى جوار هؤلاء، ويستخدمهم كما تستخدم الدمى (15) على مسرح العرائس، وحتى لا يظن البعض أننى أبالغ فإننى أسوق واقعة واحدة، أن أحد أهم من قام بتوجيه بعض هذه الأبحاث وبحضور قنصل مصر العام فى روما فى الشتاء الماضى، قال لى بالكلمة الواحد: إن بعض ما قام به هؤلاء الباحثون المصريون، لا يصلح حتى للنشر فهو مادة تافهة لا ترقى إلا مستوى المادة العلمية.
(1/25)

ب- كذلك فإن استخدام المعلومات اليوم أضحى عملية مرعبة، من حيث القدرة والفاعلية، لقد ذكر البعض أنه فى عهد الرئيس عبد الناصر استطاعت المخابرات الإسرائيلية. من متابعة عدد علب السردين المنقولة إلى منطقة الإسماعيلية. تقدير تطور عدد القوات المصرية المقاتلة فى تلك المنطقة، وهذه ليست نكتة ولكنها حقيقة، إن النظريات السلوكية بتحالفها مع نظريات المعلومات وصلت إلى مستوى وقدرة على التنبؤ لا يستطيع أن يتصورها إلا أولئك الذين تعاملوا حقيقة مع هذه الأجهزة، وعلماؤنا الذين يُختارون لهذه المشاكل، أى لجمع المعلومات فى غالبيتهم العظمى ينتمون إلى ثقافة اجتماعية ضحلة لم تسمح لهم بالتعامل الرياضى والالكترونى مع أجهزة تحليل المعلومات.
جـ- وتأتى لتزيد من مخاطر هذه الحقيقة أن الاستمارة التى تضم المعلومات قد تحتوى من الأسئلة ما لا صلة له بالموضوع، وهذا قد يجد تبريراً له فيما يقال: إن كل استمارة يجب أن تتضمن مجموعة أسئلة ضابطة، ومعنى ذلك أن هناك أسئلة لا تتناول بالتحليل موضوع البحث، ولكنها تسعى إلى جمع المعلومات القصد منها التأكد من صلاحية الحالة موضع التحليل، للاعتماد على صدقها فى نقل المعلومات، من الناحية العلمية قول سليم لا يمكن المناقشة فى صحته، ولكن من حيث الواقع، فإن هذا باب واسع للتحايل بحيث يسمح بالحصول على معلومات لا صلة بها بالبحث، ولكن الجهاز المتستر خلف البحث والمتخصص فى عملية جمع المعلومات يسعى للحصول عليها بجميع الوسائل، وهذا يذكرنا بالطبيب الذى يطلب من مريضته أن تكشف عن جسدها ليقوم بعملية الفحص، وهو لا يريد سوى أن يتمتع بالنظر إلى موضع الجمال بها، وقد يستغل ذلك والمريضة الساذجة التى تذكرنا بعالمنا المصرى لن تفهم ذلك إلا متأخرة وقد لا تفهم إطلاقا، وهناك من تفهمه وتتظاهر بعدم الفهم وتتمادى فى ذلك.
ولعله قد يكون من قبيل الاستطراد أن نطرح سؤالين:
(1/26)

الأول: هل حقا أنه فى بعض الأبحاث تأتى استمارة جمع المعلومات وقد تم إعدادها فى المراكز المتخصصة الأمريكية؟ ويكون دور عالمنا المصرى أن يبصم على الاستمارة ليضفى عليها صفة الشرعية؟
الثانى: هل الأبحاث المشتركة التى تتم فى الجامعات الأوربية واليابانية، بل وفى أمريكا اللاتينية تأخذ نفس هذه المنهاجية؟
أسئلة محددة وكم كنت أتمنى أن يطرحها علماؤنا الأجلاء على زملائهم الأمريكيين الذين يشتركون معهم فى إعداد أدوات جمع المعلومات.
د- وليكتمل هذا الإطار ننتقل إلى تلك المقولة الخاصة بأن المعلومات عن مصر وعن المجتمع المصرى (16) متوفرة فى الخارج، وهذه الأجهزة قادرة بإمكانياتها من الحصول عليها دون عناء، منطق أيضاً أشد تفاهة، فلو أن الأمر كان كذلك فلماذا تنفق تلك الجهات الملايين؟
الواقع أن المعلومات التى تسعى إليها هذه الأجهزة هى تلك التى تسمى بالمعلومات الخاصة بالمبرارت "Motivation"، أو بعبارة أخرى المتغيرات الدقيقة التى تستتر خلف السلوك، وخلف الوقائع، إن المعلومات المتوفرة فى الأجهزة الخارجية يغلب عليها طابع الوقائع Facts وليست المبررات، وهذه الأخيرة هى المحور الحقيقى لعملية التطويع ولنقدم نموذجاً:
شخص يرفض تنظيم النسل، هذه هى الواقعة أو الموقف، ولكن المبرر متغير داخلى: قد يكون التدين، ودرجة التدين، وقد يكون الرغبة فى إنجاب طفل ذكر والزوجة لم تنجب سوى إناث، وقد يكون رفض مصدر الدعوة لسبب عقائدى عنيف، رغم القناعة بصحة ومنطق موضوع تنظيم النسل، وقد يكون مصلحة مهنية كأن يكون الشخص الرافض طبيب صاحب مستشفى للولادة على سبيل المثال، وقد تعلم الأمريكيون من خبرة إيران أن الاقتصار على المعرفة بالوقائع لا يمكن إلا أن يقدم صورة مشوهة، بل إن نظرية السلوك بكاملها من منطلق التقاليد الأمريكية تخضع فى هذه اللحظة لعملية إعادة تشكيل كاملة، وأحد عناصر ذلك هو كل ما له صلة بالتنبؤ بالسلوك.
(1/27)

والآن ننتقل إلى الناحية الثانية، وهى المتعلقة بالعلماء ومدى إمكانية الاستعانة بهم فى الأبحاث المختلفة التى قد يطرحها أو يفرضها موضوع التعاون المشترك.
موضوع لا شك فى منتهى الحساسية، فليس هناك موضع للمناقشة فى أن من صالحنا السعى نحو استعادة هؤلاء العلماء لحاجتنا الماسة إليهم، سواء بخصوص المشروعات الإنمائية الطموحة التى تفكر فيها جميع المجتمعات العربية، سواء لبناء جامعات ومراكز بحوث متقدمة، هذه المنطقة فى أشد الحاجة إليها، والإحصاءات المتوفرة لدينا تسمح بتقدير أؤلى للكفاءات. الأرقام بهذا الخصوص تصيبنا بالذهول، فالمهاجرين العرب من العلماء والمهندسين ما بين عام 1966 وعام 1977 أى خلال قرابة عشرة أعوام، قد بلغ عددهم فقط من الذين يحملون درجة الدكتوراه أكثر من ستة آلاف عالم، نصيب مصر وحدها يزيد عن ثلاثة آلاف.
وهم على وجه التحديد 3310 موزعون بالشكل التالى ، مهندسون 2113- علماء فى الطبيعيات 1039- علماء الاجتماع 158 وذلك دون الأطباء وسائر العلوم الأخرى جميع المحاولات بخصوص استعادتهم لأرض الوطن باءت بالفشل، ولعل خير نموذج لذلك مركز الإسكندرية للدراسات العلمية الذى أنشئ فى عام 1972 وحددت لإنهائة فترة حوالى خمسة عشر عاماً، واستناداً إلى تقرير اليونسكو الذى ساهم فى المشروع، فإنه لم يستطع حتى عام 1980 أن يجتذب من العلماء المصريين المقيمين بالولايات المتحدة سوى أربعة أشخاص هم الذين عادوا نهائياً.
والآن عودة للتساؤل هل يصلح هؤلاء العلماء، وبالتحديد العلماء المقيمون بالولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة فى أبحاثنا الميدانية وتحمل مسؤولية تلك الأبحاث، ونحدد أيضاً: الأبحاث المتعلقة بالمعلومات التى ترتبط بالأمن القومى؟
(1/28)

نحن نجيب بصراحة ووضوح: كلا وليست هذه الإجابة مردها التعصب الأعمى أو عدم الثقة فى علمائنا بالخارج، ولكنها إجابة مردها العديد من الاعتبارات التى يعود جزء منها بالأساس إلى صالح هؤلاء العلماء أنفسهم، ونحن نقدم حقا خلاصة أبحاثنا التى نقوم بها لحساب اليونسكو العربية، بصدد إنشاء جهاز الانتفاع بالخبرة العربية المهاجرة لصالح التطور الاقتصادى والتكنولوجى فى المنطقة العربية.
الأسباب عديدة ونحن نوجزها فيما له صلة بموضوعنا:
أولاً: هؤلاء العلماء العرب بما فيهم المصريون المقيمون بالولايات المتحدة لا يخرجون عن واحد من اثنين: إما أنهم يحملون الجنسية الأمريكية وفى جيبهم جواز سفر أمريكى وإما أنهم لم يحصلوا بعد على الجنسية فى الحالة الأولى هم قد أقسموا لحظة الحصول على الجنسية بألا يخدموا سوى الدولة الجديدة، وأنهم لم يعودوا ينتمون من حيث الولاء إلا لهذه الدولة التى يحملون جنسيتها، وأقل ما يمكن أن يحدث فى مثل هذا القِسْم، هو حالة من التمزق، لو فرض عليهم أن يختاروا بين الولاء الجديد والأمانة نحو الولاء القديم، فإن لم يكونوا قد حصلوا على الجنسية فهم يعلمون أن مستقبلهم ومستقبل أولادهم متوقف على الحصول على تلك الجنسية، ومن ثم فإن حالتهم تدعو للرثاء والشفقة أكثر منها للثقة والطمأنينة.
(1/29)

ثانياً: هؤلاء العلماء قد انقطعت صلتهم بالوطن الأم، ومجرد هجرتهم تعنى أن هناك أسباباً معينة تجعل علاقة الولاء ضعيفة أو غير متماسكة، ومن ثم فهم غرباء عن وطنهم سواء بسبب الانقطاع المادى أو الغربة المعنوية، وليست عملية مجيئهم عدة أيام أو أشهر بقادرة على أن تعيد إليهم ذلك الذى لم تستطع أن تكسبهم إياه حياة كاملة سابقة، وهذا لا علاقة له بمشكلة الولاء، إنه فقط يعنى أن منطق هؤلاء العلماء وطريقة تفكيرهم وأسلوبهم فى مواجهة المشاكل، لم يعد مصرياً ولا يجوز أن يغرينا أو يخدعنا سواء أصلهم المصرى أو أنهم يتكلمون العربية، أو أنهم يتحدثون دائماً عن الغربة والرغبة فى العودة إلى مصر.
إن اللغة تصير بالنسبة لهم رموزا وليست مفاهيم، عبارات وليست مدركات، وهم قد يصلحون أداة اتصال بيننا وبين المنطق الأمريكى، وذلك فقط لصالح هذا المنطق الذى لا يملك أداة أخرى، ولكن هؤلاء لا يستطيعون أن يعيشوا منطقنا وإدراكنا فى دينامياته وتطوراته المتعاقبة والمتتالية، فى عصر أضحى يتميز بالوثبات المتلاحقة.
إنهم يذكروننى بالمغنية " داليدا " التى كلما تحدثت قالت بأنها ولدت وعاشت شبابها فى شبرا، فهل هى اليوم قادرة علي أن تعيش فى شبرا، وتفهم أهل شبرا مرة أخرى؟ ولماذا نذهب بعيداً: هل من يدخل الجامعة الأمريكية فى القاهرة يشعر بأنه حقيقة فى القاهرة، وأن من بها يعيشون فى القاهرة؟ سؤال سوف نعود له مرة أخرى عندما نتعرض للوظيفة الحقيقية التى تتولاها الجامعة الأمريكية فى القاهرة، وكذلك جميع الجامعات الأمريكية فى مختلف أجزاء العالم (17).
(1/30)

ولكن ليسمح لى القارئ أن أذكره بواقعة شخصية: إننى لا أزال أتذكر التعليقات التى سمعتها عندما قدر لى أن أجرى دراسة ميدانية فى إحدى قرى الصعيد لحساب المركز القومى للدراسات الاجتماعية فى القاهرة، كانت قد نزلت قبلى وفى نفس العزبة باحثة مصرية آتية من أمريكا، تعمل لحساب الجامعة الأمريكية، وعندما ذهبت لتلك العزبة كانت تحمل فى حقيبتها عدة أنابيب مطهرة " د. د. ت"، وقبل أن تجلس تناقش الفلاحة المصرية فى موضوع بحثها، تبدأ الباحثة المتفرنجة تفرغ إحدى الأنابيب من حولها وتطلب من الفلاحة أن تظل بعيدة عنها عدة أمتار، وويل لها إن اقتربت منها، وكم سمعت من تعليقات على ذلك من أهالى تلك القرية!.
(1/31)

ثالثاً: وليسمح لى هؤلاء الأخوة أن أحدثهم بلغة صريحة: إن أغلبهم إن لم يكونوا جميعهم أدوات متقدمة للمخابرات الأمريكية يخضعون لتوجيهها بطريق أو بآخر، بل إن الكثير ممن درسوا فى تلك الجامعات وعادوا إلى مصر قد خضعوا لذلك التوجيه، لكن عودتهم إلى الأرض الوطن قد سمحت لهم ولو نسبياً باستعادة حريتهم وقدرتهم على عدم الخضوع المطلق، ولكن أولئك الذين يعيشون فى الأرض الأمريكية، يقعون تحت سيطرة العديد من تلك الأجهزة القادرة على أن تتغلغل فى جميع عناصر حياتهم، بل وفى بعض الأحيان فإن زوجاتهم الأمريكيات ليسوا إلا عملاء لتلك الأجهزة، هل يريدون أسماء؟ نحن على استعداد لأن نتحفهم بالكثير من النماذج، لا يعنى ذلك عدم الاستعانة بهؤلاء العلماء، ولكن يجب ألا نضعهم موضع الاختبار بالنسبة لمشاكلنا الأمنية التى لا بد وأن تفرض عليهم تمزقات عديدة، هم أنفسهم ليسوا راغبين فيها، علينا أن نساعدهم على ألا يوضعوا فى هذا المأزق، بأن نحجب عنهم التصريح بالمشاركة فى مثل تلك الأبحاث، ولتكن المبادرة من جانبنا بأن نغلق ذلك الباب الذى ليس لصالحنا، بل ولا من صالح هؤلاء العلماء أنفسهم أن يتورطوا فى متاهاته، وما يفرضه من مشاكل وما يخلقه من مخاطر، ولو كان ذلك فقط من قبيل الحيطة فإنه جدير بالاعتبار.
بطبيعة الحال أحدد مرة أخرى: أننى أقصد أولئك العلماء الذين لا يزالون يقيمون فى الولايات المتحدة من جانب وعندما يتعلق الأمر بجمع معلومات ترتبط بأمننا ثانياً، ولكن هذا لا يمنع من الاستعانة بهم فى خارج ذلك النطاق من جانب، ومن محاولة استعادتهم إلى الوطن الأم، التى لا تزال فى حاجة إلى خدماتهم وجهودهم من جانب آخر.
وهكذا نصل إلى النقطة الثالثة المتعلقة بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة وموقع سياسة جمع المعلومات من هذه الاستراتيجية.
(1/32)

مما لا شك فيه أن الحديث عن هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، موضوع معقد متشابك لا نستطيع أن نصفه فى كلمات محدودة، ولكن التعرض له فى نطاق علاقته السياسية بجمع المعلومات يصير ضرورة أساسية لفهم الموضوع الذى نتناوله بالتعليق، والوقائع، أن الحديث عن هذه الاستراتيجية بدأ يتردد فى صورة خافتة هامشية عقب الانسحاب من فيتنام، ليصير قوياً مدوياً فى أعقاب أزمة الرهائن، وليصير سياسة صريحة واضحة مع وصول ريجان إلى السلطة، على أنه يمتد فى حقيقته من حيث أصوله إلى فترة حكم كيندى عندما قدر لماكنمارا أن يتولى وزارة الدفاع وأن يجمع حوله طائفة من أكثر العقول الاستراتيجية حنكة، لوضع أصول التحرك الدولى من منطلق مصالح الإمبراطورية الأمريكية.
فنلقف إزاء تلك العناصر الأساسية المرتبطة بموضوعنا:
أولاً: اتساع مفهوم الأمن القومى الأمريكى.
ثانياً: الترابط بين منطقة الخليج العربى وجنوب شرق أوروبا.
ثالثاً: العودة إلى ما يسمى بنظرية الجبن والضعف.
رابعاً: مواجهة أى حركة ترمى إلى تغيير الوضع القائم فى دول العالم الثالث بالعنف والاستئصال.
هذا العنصر الأخير هو الذى يقودنا إلى سياسة المعلومات، على أن توضيح العناصر الثلاثة الأول يكمل هذا الإطار الكلى للإدراك الأمريكى.
(1/33)

فأول هذه العناصر هو اتساع مفهوم الأمن القومى الأمريكى بشكل لافت للنظر، عندما ربطت الولايات المتحدة بين أمنها القومى ووجود إسرائيل، وُصِفَ ذلك فى حينه بأنه توسع مبالغ فيه، اليوم أصبح ينظر إلى أى تغير فى العالم على أنه تهديد للأمن القومى الأمريكى، لقد أضحت حماية المواد الأولية فى دولة كجنوب إفريقيا، الدولة العنصرية، التى تضرب عرض الحائط بجميع المفاهيهم والمثاليات التى تقوم عليها الأسرة الدولية، وهى أحد عناصر الأمن القومى الأمريكى، وقد ترتب على هذا التصور أن الولايات المتحدة تسيطر عليها قناعة واحدة: لم تعد المخاطر التى يتعين عليها أن تواجهها لتسمح لها بالاعتماد على الآخرين: لا حلفاء ولا دول تابعة يجب أن تخلق أدواتها الذاتية فى كل منطقة.
يرتبط بهذا تطور خطير فى مفهوم التعامل الاستراتيجى، أحد محاور الصدام المحتمل باسم منطقة القلب، وهى الممتدة من جنوب شرق أوروبا، حيث مواقع الحلف الأطلنطى حتى وسط المحيط الهندى، حيث جزيرة " ديجوجارسيا " التى تتمركز بها أكبر قاعدة أمريكية عرفها التاريخ حتى اليوم، ويتبع ذلك أن هذه المنطقة يجب أن تدخل فى دائرة الاستعداد، حيث المسرح الثانى لحرب فى مستوى الصدام فى وسط أوروبا مع احتمالات التدفق الروسى وحلف وارسو.
(1/34)

هذا يقودنا إلى العنصر الرابع الذى يرتبط مباشرة بموضوع هذه الدراسة، والواقع أن هذا العنصر ينطلق من مقدمات معينه تدور حول أسلوب التعامل مع دول العالم الثالث، فأى حركة فى تلك الدول ترمى إلى تغيير الوضع القائم يجب أن تواجه بالعنف (18)، إنها نوع من الإرهاب الدولى، يقول هيج عندما كان مسؤولاً عن وزارة الخارجية بهذا الخصوص: إن مفهوم مقاومة الإرهاب (19) الدولى- وهو الاصطلاح الذى استخدم للتعبير فى العالم الثالث - يجب أن يحل فى اهتمامنا موضع مفهوم الدفاع عن حقوق الإنسان، وكذلك فإن مواجهة هذا الإرهاب الدولى يجب أن تتم من خلال استخدام القوة العسكرية، من العبث الحديث عن الإصلاح أو التقدم أو التجديد، الذى يعنى القيادات الأمريكية هو القدرة على الاستئصال الجسدى والعنصرى للقوى الثورية والقيادات الرافضة وهكذا فإن النظرة الأمريكية الجديدة واقعية وعنيفة فى واقعيتها، إنها لا تؤمن بفكرة الإصلاح ولا بكل ما يتصل بغزو القلوب، هى تكتفى بغزو القوى الثورية، واستئصالها بالأدوات العسكرية، أو ما فى حكمها، أما ما عدا ذلك فلا يعنيها، لأنه مضيعة للوقت والمال. ولكن ما هى أدوات تنفيذ تلك السياسة فى دول العالم الثالث؟
أدوات عديدة ليس هذا موضع التفصيل بخصوصها.
" ولكنها تنبع من مفهومين أساسيين الوقاية أولاً خير من العلاج، ومن ثم يجب ألا تنتظر حتى تتفجر الثورة أو حركات الرفض، بل يجب اقتطاعها مسبقاً، والثانى عندما يحدث التدخل فلندع جانباً مفهوم التدرج فى التدخل، وإنما يجب أن يكون هذا التدخل كثيفا صاعقاً.
بعبارة أخرى أول ما يجب أن تهتم به الإدارة الأمريكية هو عملية حصر حقيقية للقوى والقيادات القادرة أو الصالحة لأن تكون بؤرة رفض على قسط معين مهم من الفاعلية، وعندما تكتشف الإدارة ذلك عليها أن تلجأ إلى جميع الوسائل لاستئصال تلك القوى والقيادات.
(1/35)

الترغيب والتطويع خطوة أولى وإن لم تفلح فالقبض والسجن خطوة ثانية، وإلا فالقتل والاسئصال الجسدى ".
وقد أرفق الكاتب صورة فوتغرافية من جريدة "لموند الدبلوماسى" الفرنسية
" Le Monde Deplomatique ".. عدد أبريل 1981:
"نشرت تقرير " ميتشيل كلار " الخبير فى التحليل السياسى، واحد ممن ساهموا فى وضع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التى بدأت من أول كارتر.. يعمل باحثا فى معهد دراسات التخطيط السياسى بواشنطن- صاحب المؤلف المشهور بعنوان " حرب بدون نهاية " الذى يؤكد فيه ضرورة أن تدخل الإدارة الأمريكية فى قناعتها استمرار التدخل فى العالم الثالث دون توقف.
فى هذا التقرير تحدث عن التخطيط الأمريكى لمواجهة حركات الرفض فى دول العالم الثالث، على أساس تغيير الاستراتيجية التى كان يتبعها كيندى، واتباع استراتيجية جديدة، مفادها ليس خلق القناعة بالتعاون مع الإدارة الأمريكية وإنما استئصال مفاصل القوة فى المجتمعات موضع الغزو من دول العالم الثالث ".
هذا ما يكتبه بصراحة " ميتشيل كلار " الخبير فى معهد التحليل السياسى بجامعة واشنطن، وهو ما يسمح لنا بأن نفهم الوظيفة التى تؤديها مراكز البحوث المنتشرة خلف مزاعم الأهداف والاعتبارات الأكاديمية، وهو أيضاً ما يوضح النوايا الحقيقية من عمليات جمع المعلومات الميدانية، يقول الكاتب المذكور بكلمات صريحة، ليست فى حاجة إلى تعليق: " ولتستطيع هذه السياسة أن تكون مجدية، فإن السياسة الأمريكية تفحص الملاحظة المستمرة لسلوك المواطنين من خلال ناقلى المعلومات للإدارة الأمريكية، وكذلك من خلال وضع نظام حديث للتصنت والمراقبة فضلا عن معالجة المعلومات ".
ترى هل قرأ علماؤنا تقرير هذا العالم؟ وهو أحد من ساهموا فى وضع هذه الاستراتيجية؟ هذا التقرير قد نشرته جريدة " لموند " الدبلوماسى فأقام الدنيا وأقعدها فى جميع أجزاء أوروبا، ولكن علماؤنا الأجلاء لا يزالون يغطون فى النوم.
فهل من مستمع؟! ".
(1/36)

وتحت صورة لكتاب بالفرنسية عنوانه: غزو الأرواح "La Conquete des esprites" كتب حامد ربيع:
" أصدره الناشر اليسارى الفرنسى " ماسبرو " سنة 1982، وهو يحدد مصادر التصور الأمريكى لغزو العقول فى العالم المعاصر بما فى ذلك أوروبا، وكيف أن التفكير بدأ أثناء الحرب العالمية الثانية.
هذه الوثيقة خطورتها فى أنها تحدد مصادر غير معروفة وغير متداولة، عن كيفية دراسة وإعداد هذا المخطط منذ الحرب العالمية الثانية نفسها، ويقال: إن سبب مقتل فلترينلى الناشر الإيطالى اليسارى المشهور يرتبط بهذه الوثيقة ".
وتحت صورة لكتاب آخر بالإيطالية كتب حامد ربيع:
" سالمون أشهر فيلسوف ألمانى- تصدى للغزو الفكرى الثقافى الأمريكى لألمانيا من سنة 1951. الكتاب الأصلى باللغة الألمانية صادر سنة 1951، وتمت ترجمته إلى الإيطالية سنة 1954، الغريب أن تلميذه هو (خيمر) أستاذ علم النفس السياسى، ومن أشهر أطباء علم النفس فى جامعة برلين اختفى فى الستينات ولا نعرف عنه شيئا ".
المقالة الثالثة
تحت هذا العنوان كتب حامد ربيع:
لا بد وأن القارئ قد طرح على نفسه هذا التساؤل: هل هذه الملاحظات التى يدفع بها الكاتب، تخفى عداوة حقيقية وعميقة للسياسة الأمريكية؟ وإذ يطرح هذا الاستفهام فإن مجموعة أخرى من الأسئلة سوف تفرض نفسها: هل هذا الكاتب يسارى مؤمن بالتعاون الشيوعى؟ أليس من أولئك الذى يٌسبِحون بحمد موسكو؟ أليس ناصرياً منتمياً إلى حزب التجمع؟
نعم لقد تعودنا خلال ثلاثين عاماً من الاضطراب الفكرى، ألا نواجه مشاكلنا إلا بسطحية مطلقة، فمن انتقد السياسة الأمريكية لا يمكن أن يكون إلا عدوا لها، ومن كان غير متفق مع واشنطن فهو مؤمن بموسكو، ومتعاون من أذنابها فى الشرق الأوسط والناصرية هى موقف سياسى، لا يمكن إلا أن يعبر عن تحالف يسارى، وهكذا تفاهات وأحكام، تذكرنا بما يصنعه علماء النفس بخصائص المراهقة الفكرية.
(1/37)

لا نريد أن نفتح أبواباً تقودنا إلى موضوع آخر جانبى، ولكن الذى نود أن نؤكده منذ البداية أن هذه الانتقادات لهذا الذى يوصف بالأبحاث الميدانية، التى انتشرت فى مصر خلال الأعوام الأخيرة وتغلغلت فى كل مكان، بحيث وجدنا ممثليها يجلسون فى أدق أجزاء الجسد المصرى حساسية، وبحيث أضحى كل مصرى يتهالك على إرضاء هؤلاء السادة الجدد، ليس مردها سوى أمر واحد، خوفنا على مستقبل أمتنا، وحرصنا على حماية هذه الأرض التى يجب أن نسلمها لأبنائنا أكثر قوة وليس أكثر ضعفاً، نحن لا نؤمن إلا بعروبتنا ولا نثق إلا فى أمنا المصرية، وكل من خان أو خرج على مقتضى هذه المفاهيم لابد وأن نحاربه ونعرى خسته ودناءته.
فلنترك جانباً مؤقتاً تلك الفئة من المنتفعين والمتسلقين، التى ملأت مصر بل والعالم العربى خلال الأعوام الأخيرة ولنقصر حديثنا على من يتولى تخطيط السياسة الأمريكية، ويضع قواعد وأصول محركها فى أرضنا المصرية.
هل يعتقد هؤلاء السادة حقاً أنهم بهذه السياسة التى ينتهجونها فى مصر، سوف يخلقون لهم أصدقاء فى مصر؟ هل يعتقدون أن هؤلاء الذى جعلوا منهم أدواتهم فى خلق بؤر النفوذ فى مصر، هم وجه مصر الحقيقى، وهم الذين سوف يخلقون لهم مسالك المساندة من منطلق القناعة بوحدة المصالح ووحدة الأهداف؟
(1/38)

لم أفهم يوم من الأيام كلمات ديجول عام 1958 عقب الأزمة المعروفة فى فرنسا والتى قادته إلى الحكم، وإلا وأنا أشاهد ما يحدث فى مصر اليوم، ولم أفهم معنى ما يقوله كيسنجر عن قيادات أمة إلا عندما أفكر فى السياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، ولم أدرك لماذا عندما نجتمع فى الأكاديمية الدبلوماسية فى باريس لا نستمع إلا هجوماً واحتقاراً للسياسة الأمريكية إلا وأنا بسبيل تقييم تلك السياسة فى مصر على ضوء خبرة الأعوام الخمسة الماضية، ولماذا هذا التساؤل وهذا الاستفهام: أين نجحت السياسة الأمريكية؟ هى تحارب متراجعة فى أوروبا الغربية، وهى تفقد مواقعها فى أمريكا اللاتينية وهى متهالكة فى إفريقيا السوداء، وهى تتلقى الصفعات الواحدة تلو الأخرى فى جنوب شرق آسيا، وهى سوف تتعلم دروساً قاسية فى بداية القرن القادم من طوكيو وبكين، وهى إذا كانت قد نجحت حتى الآن فى بعض أجزاء منطقة الشرق الأوسط، فليس ذلك سوى نتيجة لضعف الإرادة الذاتية فى المنطقة من جانب، ولوجود أداة أخرى لا مثيل لها فى أى منطقة أخرى وهى إسرائيل، رغم ذلك فهل هذا النجاح مطلق؟
إن المأساة الحقيقية التى وضعت فيها السياسة الأمريكية خلال الأعوام العشرة الأخيرة، إنها تريد أن تحقق سياسات متعددة، كل منها تملك منطقها وخصائصها وإطارها الحركى وهى من ثم تتناسى أن أيا من هذه السياسات تتعارض بل وتتناقض مع السياسات الأخرى، ومن ثم المأساة التى لا بد أن تفرض نفسها فى لحظة معينة، والواقع أن واشنطن لم تع بعد اللطمة التى صفعتها إيران، وهى على ما يبدو تسعى جاهدة لتقبل لطمات أخرى: تركيا آتية لاريب فيه، ومصر قد تكون بطيئة فى تحركها متأنية فى قرارها الجماعى، ولكنها عندما تهب فهى كالبحر الهائج إذا بأمواجة ترتفع لتناطح قمم الجبال، فهم هذه الحقيقة هو المنطلق الأساسى لفهم سياسة جمع المعلومات، والتخبط الذى تقع فيه الإدارة الأمريكية بهذا الخصوص.
(1/39)

الولايات المتحدة تتبع فى المنطقة بصفة عامة وفى مصر بصفة خاصة سياسات أربع كل منها تملك منطقها الذاتى وخصائصها الحركية:
أولاً: سياسة الأمن القومى.
ثانياً: سياسة المساندة الإقليمية.
ثالثا: سياسة تحزيم مصر، وتصفية الوطن العربى، من قيادته التاريخية وإرادته الذاتية.
رابعاً: سياسة الاستعمار الجديد.
سياسات أربع، قد تتفق إحداها مع الأخرى، ولكنها فى مجموعها لا يمكن أن تتوافق إنها متناقضة وواشنطن لم تقتصر على أن تطبق السياسات الأربع فى آن واحد، بل إنها لم تحاول حتى هذه اللحظة أن تضع تلك الأولويات التى كان يجب على سياسة كبرى أن تكون واعية بأهميتها، كأحد المنطلقات الأساسية لبناء خطة للتعامل ولإدارة الصراع، ومن هنا المأساة الحقيقية التى تذكرنا بمأساة أخرى، وقعت فيها أيضاً السياسة البريطانية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولكن بصورة أقل خطورة، رغم ذلك وهنا لا بد أن نطرح علامات التعجب، لم تعرف السياسة الأمريكية كيف تنتفع بتلك الأخطاء، ترى هل يتعين علينا أن نعيد ونردد ما يقوله كيسنجر بأنها سياسة ساذجة مراهقة؟
أول هذه السياسات ما يسمى بسياسة الأمن القومى، ومعنى تلك السياسة أن هناك قواعد جامدة ومطلقة لا تقبل المناقشة، بصدد حماية الحدود القومية، فى أصولها التاريخية، هذه السياسة التى اتبعتها كل من فرنسا وبريطانيا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تعنى أن حدوث أمر معين على حدودها المباشرة، يعنى ضرورة القتال بلا أى مقدمات، فبريطانيا على سبيل المثال جرت على مبدأ أن سقوط أوروبا القارة فى يد قيادة واحدة، يعنى الصدام والنزال العسكرى، نابليون ثم هتلر ليس كلاهما سوى تعبير عن مبدأ واحد، ولكن الولايات المتحدة الدولة العظمى توسع المفهوم لتجعل من وجود إسرائيل وبقائها أحد عناصر أمنها القومى.
(1/40)

ولكنها منذ حرب 1967 طورت المفهوم، فجعلت أساسه التفوق العسكرى الساحق للأداة العسكرية الإسرائيلية، على جميع القوى المقاتلة العربية، مثل هذا المبدأ وبغض النظر عن مخالفته لجميع التقاليد الفكرية، يعنى إلغاء لأى معنى من معانى الأمن القومى لأى دولة عربية، وعلى وجه التحديد مصر، التى تقع على حدود إسرائيل الجنوبية والتى يصير بالنسبة لها وبصفة خاصة بحكم تقاليدها الأمنية وخصائص شبه جزيرة سيناء عملية الحماية الذاتية إزاء التفوق العسكرى الإسرائيلى مسألة حياة أو موت، فلنترك جانباً حديث الأخلاق، ولكن علينا أن نتساءل: كيف توفق السياسة الأمريكية بين سياسة أمن قومى بهذا المعنى، وسياسة أخرى لا تحمل بذور العداوة القاتلة مع الدول العربية وبصفة خاصة مع المجاورة لإسرائيل، وبصفة أكثر تحديداً مصر؟ كيف التوفيق بين هذه السياسة، وما يسمى بالإجماع الاستراتيجى لدول منطقة الشرق الأوسط.
(1/41)

ومن هنا تبدو حقيقة التناقض مع سياسة المساندة الإقليمية، التى بدأ الحديث عنها واضحاً وصريحاً مع الرئيس السابق " كارتر" والتى تتردد اليوم على ألسنة المسؤولين باسم الإجماع الاستراتيجى (اتفاقيات كامب ديفيد) نفسها هى مقدمة لهذه السياسة خلاصة سياسة المساندة الإقليمية، تحويل المنطقة الممتدة من الخليج العربى حتى البحر الأحمر بجميع شواطئه، بما فى ذلك الجزء الشرقى من حوض البحر المتوسط، كتلة متراصة كأحد مناطق المواجهة (20) المحتملة مع الاتحاد السوفيتى، وسواء كان ذلك فى صورة دفاعية لمواجهة أى محاولة لإكمال الكماشة التى تحصر المنطقة، ما بين أفغانستان شرقا والحبشة غرباً وسوريا شمالأ أو كان فى صورة هجومية، بمعنى خلق نتواءت ومواقع للتوتر والقلاقل فى جنوب الاتحاد السوفيتى، حول المناطق الإسلامية أو الأقليات القومية، فإن المحور هو تحويل هذه المنطقة إلى نوع من الغطاء العسكرى للقوى الأمريكية، التى توصف عامة بقوات الانتشار السريع، مثل هذا التصور يعنى تحويل المنطقة إلى قاعدة متماسكة، تتميز بخصائص ثلاث:
أولاً: القناعة القيادية بالتعاون مع الإدارة الأمريكية.
ثانياً: القدرة والفاعلية على التحكم فى المنطقة، إزاء أى محاولات لخلق القلاقل أو الاضطرابات المحلية.
ثالثا: خلق المرافق المشتركة المتماسكة والمتفاعلة، التى تسمح بتطوير التعامل وقت الضرورة فى إطار موحد إقليمى، من حيث السيولة فى التنقل والاستمرارية فى التدفق. مثل هذه السياسة التى لبنتها الحقيقية التعاون الإقليمى المتكامل، وخلق المرافق المتماسكة والمتناسقة أيضاً إقليمياً، لا يمكن أن تتجانس مع تلك السياسة الأخرى، التى سبق ورأيناها حيث تصير إسرائيل كدولة مسيطرة على المنطقة، أحد عناصر الأمن القومى الأمريكى، إن إسرائيل دولة غير متجانسة مع دول المنطقة، وهى خالقة لمشاكل محلية وإقليمية وهى ذات أطماع توسعية، فكيف يمكن التوفيق بين هاتين السياستين؟
(1/42)

ثم تأتى السياسة الثالثة والتى قد تبدو لأول وهلة متجانسة مع كلا السياستين الأولى والثانية، فتحزيم مصر وتفريغ المنطقة من قيادتها التاريخية، يحقق أهداف السياسة الإسرائيلية، ومن ثم سياسة الأمن القومى الأمريكى من جانب، وهو يمكن السياسة الأمريكية من جانب آخر من تدعيم الإجماع الاستراتيجى، حيث لا تستطيع مصر أن تقف عقبة ضد تحويل المنطقة إلى حزام أمن للمصالح الأمريكية، ليس من صالح سياسة المساندة أن توجد مصر القوية القادرة على أن تكتل خلفها دول المنطقة، هنا تبدو بصورة واضحة عدم قدرة السياسة الأمريكية على التعلم من أخطائها، فهى إذا كانت قد نجحت نجاحاً نسبياً فى أوروبا الغربية، فى خلق إطار من التعاون العسكرى، فلأن هذا كانت لحماية القناعة الشعبية، والإرادة القومية والرفاهية الاقتصادية، فى ظل نظام سياسى مُكَّن من تحقيق ذلك، ولو بدرجات متفاوته، ترى لو أن ألمانيا الغربية كانت تعيش اليوم فى الفقر أو تعانى أزمات بولندة، أكان من الممكن الحديث عن معسكر غربى؟ واشنطن إذا كانت قد فشلت فى فيتنام فلأن المجتمع السياسى لم يشارك، ويؤمن بالمصير المشترك مع الدبلوماسية الأمريكية، فهل تريد الولايات المتحدة أن تكرر فى المنطقة العربية مأساتها فى فيتنام؟ أو هى تعتقد أن شعب فيتنام أكثر قدرة على التحدى من الشعب المصرى؟ وهل هى تجمع المعلومات لتطمئن نفسها على صحة هذا الافتراض؟ مرة أخرى نلحظ بمنطق العالم المحايد، الذى يبحث عن الحقيقة المجردة دون أى اعتبار آخر كم هى القيادة الأمريكية على قسط من السذاجة والسطحية ؟ ترى هل اطلع حكماء البنتاجون على مؤلف وصفه أحد من ارتبط بالسياسة الخارجية الأمريكية فى لحظة معينة، العالم الأشهر " لينجيل " الأستاذ بجامعة نيويورك، والذى طبع بواشنطن عام 1957 وعقب أزمة السويس المعروفة، وموقف "أيزنهاور" الذى أثبت وعياً نادراً فى تاريخ الولايات المتحدة بعنوان: " دور مصر فى المشاكل العالمية "
(1/43)

وهل قرأ هؤلاء ما كتبه العالم المذكور فى الصفحة الأولى: " القوى العظمى فرض عليها أن تخضع لعملية جذب ساحقة نحو ضفاف النيل، وتلك القوى التى عرفت كيف تشق طريقها برزت كقوى دولية، بينما تلك التى فشلت لتبنى مسالك تعاملها مع أرض دلتا النيل الخضراء قضى عليها بالفناء إن هذا هو الدرس الكبير الذى سطره التاريخ منذ أيام الإسكندر الأكبر حتى عصر القيادة الجماعية فى روسيا السوفيتية ". ولكن بقى السؤال: كيف تستطيع القيادة الأمريكية أن تخلق ذلك الجذب الذى سمح لها بأن تؤسس سياسة أساسها التعاون مع الإرادة المصرية؟ هنا تقع الولايات المتحدة فى أكبر خطأ ارتكبته فى. تاريخها القصير، كقوة عظمى عندما تصورت أنها تستطيع أن تلجأ إلى سياسة الاستعمار الجديد لتحقيق هذا الهدف.
ترى هل نعايش قصة الفشل السوفيتى فى المنطقة فى فصل آخر أكثر قسوة وأشد غباء؟ وهكذا نصل إلى السياسة الرابعة التى تطبقها الولايات المتحدة فى تعاملها مع مصر: سياسة الاستعمار الجديد.
فالولايات المتحدة ومنذ مجىء ريجان إلى الحكم تسير فى سياسة صريحة أساسها السعى نحو تحقيق السيطرة الكاملة على العالم، أو على الأقل لإحكام قبضتها على ما هو خارج دائرة النفوذ السوفيتى، وهى لا تقتصر على أن تسعى لمد نفوذها فى جميع أنحاء العالم، وهى تعلم مدى أهمية دول العالم الثالث، بهذا الخصوص بل وكذلك تخطط بحيث تفرض على الاتحاد السوفيتى أن ينزل إلى مرتبة الدولة الثانية فى سلم التصاعد الدولى، هل سوف تنجح؟ أم مصيرها الفشل؟ سؤال آخر لا يعنينا، ولكن الذى يجب أن تقف إزاءه بشىء من التأمل، هو تطبيق سياسة الاستعمار الجديد مع المنطقة العربية بصفة عامة ومع مصر بصفة خاصة.
(1/44)

سياسة الاستعمار الجديد تعنى سياسة خلق التبعية وفرض الهيمنة المعنوية على الشعوب موضوع المناقشة، هذه السياسة ليست مقصورة على الولايات المتحدة، بل تتبعها جميع القوى الكبرى بأساليب ووس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
استمرار لسلسة اعرف عدوك كيف يخطط(الجزء الثانى)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجزء الثالث من اعرف عدوك كيف يخطط للدكتور حامد عبد الله ربيع
» استمرار لسلسة قصص ومعانى
» علمينا يا امى الجزء الثانى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قلب الحياة :: المنتدى العام :: مناقشة حرة-
انتقل الى:  
أختر لغة المنتدى من هنا

قلب الحياة

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الأن بتوقيت (مصر)
جميع الحقوق محفوظة لـقلب الحياة
 Powered by Aseer Al Domoo3 ®https://qalapalhaya.ahlamountada.com
حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010