قلب الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قلب الحياة

أعوام من الوجود بعالم الشبكة العنكبوتية
 
الرئيسيةالمستشار الاجتماعي المجانى البوابةدخولالمستشار القانوني المجانيالتسجيلأحدث الصورالعاب اون لاين مجانا

 

 نص مسرحية " يميت ويحى " لنجيب محفوظ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ادارة المنتدى الثقافى
مشرف
مشرف
ادارة المنتدى الثقافى


احترام قوانين المنتدى احترام قوانين المنتدى : 100 %

الأوســــــمـــــــــــــــــة : الكاتب المميز

رسالة sms : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 120px" border=1][tr][td]
النص المرافق[/td][/tr][/table]


عدد المساهمات : 74

نقاط : 170

السٌّمعَة : 8

تاريخ التسجيل : 09/04/2012

مصري

الابراج : العذراء

الأبراج الصينية : النمر

العمل/الترفيه : إنني أكتب لأكون وأكون لأكتب، لأن بياض الأوراق يخيفني ويتحداني, وهو يذكّرني بالشيب وبالثلج وبالأكفان

المزاج : ثورجى

نوع المتصفح : جوجل كروم


نص مسرحية " يميت ويحى " لنجيب محفوظ Empty
مُساهمةموضوع: نص مسرحية " يميت ويحى " لنجيب محفوظ   نص مسرحية " يميت ويحى " لنجيب محفوظ Icon_minitimeالخميس يونيو 28, 2012 9:49 pm

نص مسرحية " يميت ويحى " لنجيب محفوظ


نص مسرحية " يميت ويحى " لنجيب محفوظ Najeebmahfoz374




المسرح منقسم إلى قسمين. قسم
أمامى، وهو حوالى ثلثى المساحة وهو مضاء واضح المعالم.. فى وسطه نخلة
مغروسة، وفى جانب منه ساقية صامتة، القسم الخلفى مرتفع الدرجات على هيئة
مصطبة، تغشاه الظلمة، وتلوح به أشباح راقدة، نيام أو موتى.. الطابع طابع
تجريدى
.


يُرفع
الستار.. على المسرح فتاة جميلة تسير ذهابا وجيئة بين النخلة والساقية..
ثوبها يناسب الجو التجريدى حيث يصعب تحديده على أساس جغرافى وكذلك ثياب
جميع من سيظهرون على المسرح
.


ومع ارتفاع الستار تترامى أصوات معركة بين اثنين، آتية من ناحية اليسار.. شتائم وتهديدات وأصوات ضرب.


الفتاة: يا رب السماوات.. متى تختفى هذه الأصوات من الوجود؟ متى تشرق شمسك على أرض ناعمة البال، قريرة العين؟


(تصغى إلى الأصوات بقلق متزايد ثم تقول):


ترى هل أكفّر عن ذنب قديم؟ أم أنه بلاء مركب فى دمى؟ أم أنها أخطاء تقع فلا تلقى إرادة صادقة لإصلاحها؟


(يتقهقر
شخص مندفعا بعنف، نتيجة دفعة قوية تلقاها فى الخارج، ثم يسقط تحت النخلة
مغمى عليه.. الفتاة تنحنى فوقه باهتمام وتربت على خده بحنان، يفتح عينيه
.. ينظر إليها ثم يغمض عينيه مرة أخرى مغمغما)


الفتى: أبى!


(تربت على خده بحنان، يفتح عينيه لحظات ثم يغمضهما مغمغما)


: أمى!


(رتبت على خده بحنان، يفتح عينيه لحظات ثم يغمضهما مغمغما)


: زوجتى!


الفتاة: شد حيلك.


(تدلك خديه.. يفتح عينيه مفيقا.. ينظر إليها طويلا ثم يتمتم)


الفتى: أنت!


الفتاة: حمدا لله.. قم.. اعتمد على ذراعى..


(تقيمه.. تمسح بمنديل جبينه وتسوى له شعره.. وهو يأخذ فى التماسك شيئا فشيئا)


: لعلك أحسن..


(الفتى لا يرد ولكنه يعاود حالته الطبيعية)


: تنفس بعمق، فالجو اليوم طيب.


الفتى: لا شىء طيب على الإطلاق.


الفتاة: الجو طيب على الأقل، هدئ خاطرك.


الفتى: هيهات أن يطيب بعد اليوم جو أو خاطر.


(تشده برقة إليها فى دلال)


الفتاة: تعال إلىّ، أنا لا أعرف اليأس.


(تحتد فى عينى الفتى نظرة لكنه يتراجع فى حياء أمام نظراتها الحنونة).


الفتى: لست على حال أهنأ معها بعطفك، معذرة.


الفتاة: ليتك تقنع بصدرى ملاذا لك من متاعب الدنيا.


الفتى: ليت ذلك فى الإمكان.


الفتاة: إنه ممكن إذا أردته.


الفتى: (متحسسا رأسه وعنقه فى تألم) إنه مستحيل أردت أم لم أرد.


الفتاة: إنها اللعنة القديمة التى تطارد التعساء.


الفتى: الحق أنها تطارد الأحياء.


الفتاة: وعلى الأحياء أن يحذروها، إنى أدعوك إلى السعادة الحقيقية فى الوجود.


الفتى: حتى السعادة تنقلب أحيانا بين أيدينا ترابا وخجلا.


الفتاة: يا لك من جاحد!


الفتى: لا أنكر عهدك، ولكنى أخشاه، أخشاه فى لحظة اندحارى الراهنة، وأراه من موقفى الدامى ذا جاذبية مخيفة تعمى البصر.


الفتاة: أهذا شعورك حوالى تفتح القلب وتألق الأزهار وجنى الثمر؟!


الفتى: بل إنى أذكر مع الأسى ثقل الجنون، وترهل العضلات واسترخاء الهمم.


الفتاة: دعنى أكرر أن ليتك تقنع بصدرى ملاذا لك من متاعب الدنيا.


الفتى: يا له من جمال دافئ قهار.. أقوى من الموت نفسه، ولكن تلاشت فى أحضانه أحلامى.


الفتاة: إنه أنفع من أحلامك.


الفتى: سيظل الجبن أكبر منغص لصفو الرجال.


الفتاة: من عجب أن تحن إلى فظاظة الخلاء!


الفتى: أحن حقا إلى توهج مصباح الحياة على حافة هاوية الخطر الداهم.


الفتاة: والدم والتشرد والغبار.


الفتى: بل قوة الاعتداد المسخرة للرياح.


الفتاة: ولدى زلة قدم يهال التراب على رجل من الرجال.


الفتى: والصرخات المدوية تتوارى فى أعقابها الفئران فى الجحور، ولذة التساؤل المفعم بالقلق أمام احتمالات الحياة والموت.


الفتاة: ووجهك الملطخ بالدماء المثير للرعب.


الفتى: ونبض القلب بزهو النصر المؤسس على الحق والكرامة.


الفتاة: أنت أنانى، زهدت فىّ بعد شبع.. وشاقتك رائحة الدماء.


الفتى: إنى أحبك ولكنى أكره أن أتمرغ فى التراب.


الفتاة: هذا يعنى أنك لا تحبنى.


(الفتى يشير إلى المصطبة المسربلة فى الظلام حاملة الرقود من الأشباح)


الفتى: ليكن لى قدوة فى الغابرين.


الفتاة: لا أحب النظر نحو الموتى.


الفتى: لكنهم أحياء ما دمنا أحياء.


الفتاة: فراغ وراءك وفراغ أمامك، ولا حقيقة فى الوجود سواى!


الفتى: كم استنمت إلى هذا الكلام الآسر حتى داستنى الأقدام.


الفتاة: لقد أشعلت غضبه بمزاحك.


الفتى: المزاح من آداب حياتنا فكيف يكون جزائى ضربا أليما موجعا!


الفتاة: طالما حذرتك من المغالاة فيه.


الفتى: ولما أردت الدفاع عن نفسى خذلتنى يداى.


الفتاة: الرجل المهذب خير عندى من الرجل القوى.


الفتى: صدقت حتى وهنت منى القبضة.


الفتاة: كان علىّ أن أنتشلك من حياة التشرد فى الخلاء.


الفتى: وهكذا هزمنى وهو يسخر من ضعفى.


الفتاة: لا تمزق عشرتنا بالكبرياء.


الفتى: إنها تتمزق بالمهانة كما تتمزق بالموت.


الفتاة: لا شىء كالموت.


الفتى: إنه ليس شر ما فى الحياة.


الفتاة: صدقنى فإنه العدو الأول للحياة.


الفتى: أيسرك أن أرضى بالهزيمة؟


الفتاة: ارضَ بأى شىء إلا الموت.


الفتى: وأعود إلى اللعب السعيد وقلبى يحترق بنار الهزيمة؟


الفتاة: للزمن بلسم يشفى كل شىء، إلا الموت.


الفتى: (مشيرا إلى المصطبة) تعامل أجدادنا مع الموت بعقيدة أخرى، فوُهب لهم الخلود.


الفتاة: لقد ماتوا وشبعوا موتا.


الفتى: (مخاطبا المصطبة وأهلها) قولوا إنكم خالدون.


(صوت من المصطبة كالصدى): إنكم خالدون.


الفتاة: لا تخاطب الفراغ كالمجانين.


الفتى: ألا تسمعين؟


الفتاة: إنك تصرخ فى الأموات تبريرا لسفك الدماء.


الفتى: يا له من صوت رهيب!


الفتاة: متى كان للتراب صوت؟


الفتى: (مخاطبا المصطبة) هل تسمعون ما يقال؟!


الصوت - الصدى: (بعد قليل) هل تسمعون ما يقال؟


الفتى: ماذا فعلتم بالموت وماذا فعل بكم؟


الصوت - الصدى: ماذا فعلتم بالموت وماذا فعل بكم؟


الفتى:


(لا يزال ناظرا إلى المصطبة كأنما يخاطب نفسه)


: إنهم
يرددون قولى.. أجل.. ولهذا معنى عميق لا يخفى على لبيب.. وها هم يتحركون..
(يظلون رقودا طيلة الوقت ودون حركة).. إنهم يهدون إلىّ صورة عزيز غابرة..
ها هو ذا القتال يحتدم.. الشهداء يسقطون.. الجنود يتسلقون جدار الحصن
كالنمل.. ها قد سقط الحصن.. وهذا هتاف النصر يدوى مخترقا جدار المئين من
السنين (ثم ملتفتا نحو الفتاة).. أرأيت؟! أسمعت؟
!


الفتاة: لا شىء يُرى أو يسمع!


الفتى: لقد زلزلنى هتاف النصر فوق جثث الشهداء.


الفتاة: ما هى إلا هواجس رغباتك الجامحة فى القتل.


الفتى: سحقا للخمول فى خمائل الورد.


الفتاة: يا حسرتاه على حكمة الأيام الناعمة!


الفتى: (مشيرا إلى المصطبة) لقد لفحتنى أنفاسهم المحترقة حزنا علىّ.


الفتاة: ليس للأموات أنفاس تحترق.


الفتى: إذا مات الأموات أدرك الفناء كل شىء.


الفتاة: إذا أردت الحياة حقا فلا تنظر إلى الوراء.


الفتى: ولكن الوراء هو الأمام!


الفتاة: ولا تنظر إلى الأمام..


الفتى: (يقطب محتجا حائرا)


الفتاة: فلتغرق فى عينى.. يوهب لك خلود بين الظلمتين!


(قهقهة ساخرة وحشية تترامى


من ناحية اليسار).


الفتى: أتسمعين استفزازه الساخر؟!


الفتاة: ريح هوجاء يعربد خلالها الشقاء.


الفتى: إنه يتحدانى!


الفتاة: سأغنى لك أغنية ترقص لها الحمائم فاستمع لى أنا!


الفتى: فلتطرب العصافير.


الفتاة: فلتهنأ بك شهوة الدماء.


الفتى: إن قهقهته الساخرة تحيل الهواء فى صدرى ترابا.


الفتاة: خير ما تفعل أن تصم أذنيك.


الفتى: ولكنى خلقت بأذنين.


الفتاة: لتسمع بهما مناجاتى الدافئة.


الفتى: يا لها من مناجاة أجهضت همتى! الوداع..


الفتاة: لن تستغنى عنى أبدا.


الفتى: فلتكونى الأمل المؤجل حتى يطيب كل شىء.


الفتاة: لن يطيب شىء بعيدا عن ذراعى.


(القهقهة الساخرة تترامى من بعيد)


الفتى: الوداع.


الفتاة: انعم بالنوم رغم الضوضاء.


الفتى: بل أقضى على الضوضاء قبل أن أنعم بالنوم.


الفتاة: كلمة أخرى.. لا أريد أن يدركنى اليأس.


(الفتى يضع إصبعيه فى أذنيه.. تنظر إليه مليا ثم تمضى إلى الجهة اليمنى).


(الفتى ينظر نحو المصطبة).


الفتى: لا يمكن أن يدلنى على حقيقة الحياة إلا شخص أدركه الموت!


الصوت - الصدى: الموت.


الفتى: ذهبت.. ولكنها لن تذهب بعيدا.. محال أن أتحرر منها كلية.. ولا رغبة لى فى ذلك.. ولا قدرة لى عليه.. ولكنى أريد الحقيقة..


الصوت - الصدى: الحقيقة.


الفتى: أفصحوا.. لا تتكلموا كما تتكلم الصخور.


الصوت - الصدى: الصخور.


الفتى: حدثونى عن الموت والحياة.


الصدى: الحياة.


الفتى: من البطل؟


الصدى: البطل.


الفتى: أهو المحارب؟


الصدى: المحارب.


الفتى: أهو المسالم؟


الصدى: المسالم.


الفتى: اللعنة.. اللعنة.. اللعنة..


(يتحول الفتى عن المصطبة)


: (صائحا) علىّ أن أستعد.. إلىّ بالطبيب.. أيها الطبيب..


(يدخل الطبيب بالثياب التجريدية.. لكنه ذو لحية.. وبيده حقيبة).


الطبيب: لا تصرخ اتقاء للمضاعفات.


الفتى: وهل تأكدت من مرضى حتى تحذرنى من المضاعفات؟


الطبيب: إننا لا ندعى للأفراح.


الفتى: بل يبدو لى أنى مريض.


الطبيب: إننى أعمل يومين فى اليوم الواحد.


الفتى: ياه!


الطبيب: إنه الوباء..


الفتى: هل يوجد وباء؟!


الطبيب: كأنك تعيش فى قمقم.


الفتى: قمقم من الغم.


الطبيب: وهو ينتشر رغم المقاومة الفنية المنتظمة.


الفتى: لعلكم ازددتم به ثراء على ثراء.


الطبيب: نحن نثرى بفضل الأمراض لا الأوبئة.


الفتى: لكن الوباء ما هو إلا مرض كبير.


الطبيب: الوباء ينتشر انتشارا أعمى، فيهدد كبار رجال الدولة، لذلك فهم يسخرون الأطباء لمقاومته، فلا نفيد من ورائه خيرا يذكر.


الفتى: أمر يدعو إلى الأسف، ولكننا ندفع ثمن إهمالنا للبيئات الفقيرة القذرة.


الطبيب: الوباء وفد من الخارج كالعادة دائما.


الفتى: ربما ولكنه يستفحل فى البيئات الفقيرة.


الطبيب: استفحل هذه المرة فى البيئات الراقية!


الفتى: ظاهرة غريبة تستحق الدراسة.


الطبيب: لكنك استدعيتنى لأمر أهم من التزود من الثقافة الصحية العامة.


الفتى: عندك حق.. إننى أعتقد أنى مريض.


الطبيب: إنى مصغ إليك يا سيدى.


الفتى: لا أعراض خاصة تستحق الذكر.


الطبيب: لعلك ترغب فى إجراء كشف عامّ؟


الفتى: تقريبا


الطبيب: إما أنك تريد وإما أنك لا تريد، فما معنى قولك «تقريبا»؟!


الفتى: لا مؤاخذة فهذا ما قصدته بالدقة.


الطبيب: ولمَ لم تذكر ما تقصده بالدقة من أول الأمر؟


الفتى: لا تشتد فى محاسبتى على أسلوبى فى الكلام.


الطبيب: هل يجرى كلامك على هذا النحو القلق عادة؟


الفتى: تقريبا!


الطبيب: عدنا إلى تقريبا!


الفتى: فلنفترض أن الجواب بالإيجاب.


الطبيب: فلنفترض! ألا تستطيع أن تعبر عما تريد بدقة؟


الفتى: طيب، إنى أرغب فى إجراء كشف عامّ.


الطبيب: أسلوبك فى الكلام لا يخلو من دلالة مريبة.


الفتى: عدنا إلى الأسلوب.


الطبيب: إنه أول عرض.


الفتى: عرض؟!


الطبيب: إنك تحاور وتداور، ولا تقصد إلى هدفك رأسا.


الفتى: معذرة.


الطبيب: وهذا هو أول أعراض الوباء.


الفتى: الوباء!


الطبيب: أما بقية الأعراض فيمكن استنتاجها.


الفتى: لا أفهم شيئا.


الطبيب غير مهم.


الفتى: ولكنه مرضى أنا.


الطبيب: إنه وباء فهو ملكية عامة.


الفتى: فليكن، علينا أن نفهمه على أى حال.


الطبيب: بل عليك أن تتداوى منه.


الفتى: حسن، فلتحدثنى عن بقية الأعراض.


الطبيب: بل عليك أن تحدثنى أنت.


الفتى: ولكنك قلت إن بقية الأعراض يمكن استنتاجها.


الطبيب: أتريد أن ترسم لى خطتى فى العلاج؟


الفتى: أنا تحت أمرك.


الطبيب: هذا هو العرض الثانى!


الفتى: أين هو؟!


الطبيب: بعد المحاورة والمداورة تصدر جملة واضحة محددة هى «أنا تحت أمرك».


الفتى: ولكنها مجرد مجاملة!


الطبيب: هذا ما يخيل إليك، أما الواقع فإنه العرض الثانى!


الفتى: بهذه الطريقة يمكن أن نعتبر أى عبارة عرضا من أعراض الوباء


الطبيب: قولك هذا يقطع بعدم ثقتك بالعلم.


الفتى: ولكنى من المتحمسين للعلم..


الطبيب: (يهز رأسه فى شك وهو صامت)


الفتى: (وهو يشير نحو المصطبة المسربلة بالظلام) إنى من أصل عريق كان أول من أحرز فى ميدان العلم نصرا.


الطبيب: الإشارة نحو الظلام مقرونة بالمباهاة عرض ثالث من أعراض الوباء.


الفتى: لست من هؤلاء.. إنى بصفة عامة متعصب للعصر الحديث..


الطبيب: متعصب؟!


الفتى: أقصد أننى متحمس للعصر الحديث، ولا ألتفت نحو الأسلاف إلا تحت ضغط ضرورة ملحة!


الطبيب: وهاك عرض من أعراض الوباء.


الفتى: إذن فأين يقع السلوك الصحيح؟


الطبيب: إنك لا تدرى عنه شيئا فى ما أرى!


الفتى: إنى أجد دوارا فى رأسى!


الطبيب: الصراحة تحدث لك دوارا؟ عرض خامس!


الفتى: لعلى بالغت فى التعبير.


الطبيب: من الدوار إلى المبالغة.. عرض سادس!


الفتى: خير ما أفعل أن ألزم الصمت.


الطبيب: من الدوار إلى المبالغة إلى الصمت.. عرض سابع!


الفتى: هاهاها


الطبيب: دوار، مبالغة، صمت، ضحك بلا سبب.. عرض ثامن..


الفتى: هاهاهاهاها...


الطبيب: إغراق فى الضحك رغم التأكد من أعراض الوباء.. عرض تاسع!


الفتى: (يخفى وجهه بين كفيه)


الطبيب: وتخفى وجهك، ولكن أعراض الوباء لا تختفى.


الفتى: وماذا يمكن أن أفعل؟


الطبيب: وهذا هو التساؤل الذى يمثل أخطر أعراض الوباء.


الفتى: الحق أنك لا تشخص مرضا ولكنك مصرّ على إثبات وجود الوباء.


الطبيب: ها أنت ذا تبدأ بالتهجم علىّ، ومعنى ذلك أنك تهادن من يتحرش بك وتتحرش بمن يحسن معاملتك، وهذا هو العرض العاشر.


الفتى: إنك تثير غضبى.


الطبيب: وتغضب حيث يجب الحلم.. العرض الحادى عشر.


الفتى: (هازئا) لو لى لا بم.


الطبيب: هذيان لفظى.. العرض الثانى عشر.


الفتى: سيدى الطبيب، ألم تعالج فى حياتك رجلا من أصحاب النفوذ؟


الطبيب: حصل.


الفتى: وهل صارحته بما تصارحنى به الآن؟


الطبيب: كلا.


الفتى: وكيف تصرفت معه؟


الطبيب: تجنبت ذكر أى عرض يسىء إليه.


الفتى: ولكنك عرضت حياته للخطر؟


الطبيب: هذا على أى حال خير من تعريض حياتى للخطر!


الفتى: أليس ذلك بعرض من أعراض الوباء؟


الطبيب: بلى!


الفتى: إذن فأنت مصاب أيضا.


الطبيب: طبعا لم يسلم من الوباء أحد.


الفتى: ألا تتداوى من الداء؟


الطبيب: بنفس الدواء الذى سأصفه لك.


الفتى: وهو؟


الطبيب: إنه دواء واحد لا بديل له، وهو أن تسير إذا سرت على يديك، أن تسمع بعينيك، أن ترى بأذنيك، أن تتذكر بعقلك، وأن تعقل بذاكرتك.


الفتى: يا له من دواء غريب وشاق!


الطبيب: ولكنه ناجح وفعال ومجرب!


الفتى: شكرا لك.


الطبيب: عفوا.. آن لى أن أذهب.


الفتى: مصحوبا بالسلامة.


(الطبيب
يتجه نحو الناحية اليسرى.. صوت القهقهة الساخرة يرتفع، الطبيب يتوقف عن
السير.. يستدير ذاهبا إلى الناحية التى جاء منها، ويختفى
)


الفتى: آن لهذا الصوت الكريه أن يخمد، ولا حل إلا أن أؤدبه..


صوت من الجهة اليمنى: بل يوجد حل آخر.


(يدخل رجل عملاق بادى الاعتداد بالنفس مبتسما بمودة)


الفتى: من أنت؟


العملاق: صديق.


الفتى: ولكنى لا أعرفك.


العملاق: نحن فى عالم لا نعرف فيه إلا أعداءنا.


الفتى: ولكنى لم أرك من قبل.


العملاق: ها أنت ذا ترانى، وفى هذا الكفاية.


الفتى: لا حول ولا قوة إلا بالله.


العملاق: تذكر هذه اللحظة جيدا، فسوف تؤرخ بها السعادة فى عمرك.


الفتى: وماذا تريد؟


العملاق: أن أساعدك.


الفتى: فى أى شىء؟


العملاق: فى قهر عدوك.


الفتى: ولكنى لم أطلب مساعدة أحد.


العملاق: وهذا يجعل من تقدمى إليك سلوكا جديرا حقا بالصداقة!


الفتى: ومن الذى أرسلك؟


العملاق: قل إنها العناية الإلهية.


الفتى: هذه إجابة عامة ولا تشفى.


العملاق: إذن اعتبر أننى جئتك بحكم وظيفتى.


الفتى: وما وظيفتك؟


العملاق: أن أقيم ميزان العدالة.


الفتى: ومن قلدك هذه الوظيفة؟


العملاق: الفرد هو الذى يختار الوظيفة التى تناسبه.


الفتى: ولكننى لم أسألك المعونة.


العملاق: ربما لأنك لم تكن تعلم بوجودى من كثب منك.. وربما


الفتى: وربما؟


العملاق: وربما لأنك تبالغ فى تقدير قوتك.


الفتى: هذا شأنى على أى حال.


العملاق: كلا.


الفتى: كلا؟!


العملاق: إنه يدخل ضمن اختصاص وظيفتى، علىّ أن أنقذك ولو من نفسك.


الفتى: ولكن مرجع الأمر فى النهاية إلىّ أنا.


العملاق: ويرجع إلىّ بحكم وظيفتى.


الفتى: إنى أشكرك، أرجو أن لا تغالى فى اختصاص وظيفتك.. ثمة رجل وقح اعتدى علىّ، ولا مفر من أن أؤدبه بنفسى.


العملاق: ولكنه يفوقك قوة، ولا دافع لشره سواى..


الفتى: لست فى حاجة إلى مساعدتك.


العملاق: بل إنك فى مسيس الحاجة إليها.


الفتى: أكرر الشكر، ولكننى لا أعرفك ولا تربطنى بك صلة حقيقية.


العملاق: إنى جزء لا يتجزأ من المكان، لى فيه رزق وصهر، وتربط أسرتى بأجدادك أواصر مودة قديمة.


الفتى: أجدادى؟! إنى أشك فى ذلك.


العملاق: من أين لك هذا الشك؟


الفتى: إنى أعرف من كانوا على صلة بهم..


العملاق: لا بد أن تفوتك معرفة البعض، وأسرتى كانت ضمن ذلك البعض.


الفتى: حتى لو صح ذلك فإننى لا أعتبره ملزما لى بقبول مساعدتك.


العملاق: إنى أذكر ذلك التاريخ باعتباره مسوغا للقبول لا ملزما له!


الفتى: إذن لا إلزام هناك..


العملاق: أما الإلزام فيجىء من طبيعة وظيفتى.


الفتى: إنى أرفض مبدأ الإلزام..


العملاق: عجيب أن تقف هذا الموقف العنيد من مساعدة تهبط عليك من السماء!


الفتى: أنا الذى تلقيت الضربة وأنا الذى علىّ ردها.


العملاق: لن تستطيع ذلك وحدك.


الفتى: هذا لا يعنيك فى شىء.


العملاق: بل هو كل شىء عندى، هو وظيفتى فى الحياة.


الفتى: لا شأن لى بوظيفتك.


العملاق: لا تجعلنى أشك فى قواك العقلية.


الفتى: انصرف من فضلك ودعنى أتصرف كما أشاء.


العملاق: فكر.. فكر طويلا.. لا ترفض هبة العناية الإلهية.


الفتى: أنا الذى تلقيت الضربة وأنا الذى علىّ ردها.


(الفتاة ترجع وتتخذ مكانها بين الرجلين)


(العملاق يحنى لها رأسه فترد التحية)


العملاق: لى عظيم الشرف بلقاء ربة الدار.


الفتاة: شكرا يا سيدى.


العملاق: كنت أذكّره بالصلة القديمة التى ربطت بين أسرتى وأجداده.


الفتاة: سمعت كل شىء!


العملاق: إنه ينكر تلك الصلة.


الفتاة: لا يمكن إنكار أى صلة قديمة أو حديثة.


العملاق: مرحبا بصوت الحكمة.


الفتاة: كن رفيقا به فهو غاضب.


العملاق: ألا يحق لى أن أتمسك بأداء وظيفتى؟


الفتاة: مباركة الوظيفة التى تصون الحياة..


العملاق: مرحبا بصوت الحكمة.


الفتى: (مخاطبا الفتاة).. مؤامرة!


الفتاة: معاذ الله.


الفتى: مؤامرة.


الفتاة: افتح له صدرك.


العملاق: أشكرك يا صوت العقل.


الفتى: (للفتاة) إنى أطالبك بالاحترام.


الفتاة: قلبى ملؤه الاحترام والحب.


العملاق: لم تعاند محبيك؟


الفتى: الحب قد يدفع إلى الهلاك.


الفتاة: الحب لا يتعامل إلا مع الحياة.


الفتى: إنى أطالبك بالانسحاب.


العملاق: غريب أن تعامل الجمال والحكمة بهذه الفظاظة.


الفتى: (للعملاق) لا تتدخل فى شؤونى الخاصة.


العملاق: سمعا وطاعة.


الفتاة: إنى ذاهبة ما دمت ترغب فى ذلك، ولكنى أتوسل إليك أن تفتح له صدرك.


(الفتاة تذهب)


(فترة صمت يتبادل فيها الرجلان النظرات، العملاق باسما والفتى غاضبا)


العملاق: الجو أصبح أصلح للمناقشة.


الفتى: ألم تستنفد المناقشة؟


العملاق: نعم، ليس بعد، افتح لى صدرك، واتخذ بعد ذلك قرارك.


الفتى: (يتنهد صامتا)


العملاق: أريد أن أساعدك.


الفتى: خبرنى صراحة عما تريد ثمنا لذلك؟


العملاق: إنى صديق ولست بتاجر.


الفتى: حدثنى عما تريد.


العملاق: لا شىء البتة.


الفتى: البتة؟


العملاق: إلا ما تتطلبه ظروف العمل طبعا.


الفتى: ظروف العمل؟


العملاق: لكى أؤدب عدوك فلا بد من استدراجه إلى هنا.


الفتى: إلى مكانى هذا؟


العملاق: نعم.


الفتى: لا يجوز أن يدنس مقامى بقدمه.


العملاق: لا تعط المكان أهمية أكثر مما يستحق.


الفتى: (مشيرا إلى المصطبة) إنه مقامى مذ كان مقاما لهؤلاء.


العملاق: ولا تعط للأموات أهمية أكثر مما يستحقون.


الفتى: إذن هذا هو رأيك عن الأجداد؟


العملاق: إن باطن الأرض ملىء بالعظام وهيهات أن تعرف أين عظام أجدادك بينها.


الفتى: هذا رأى من لا أصل له.


العملاق: لا تغضب.. ما أردته هو أن أبين لك خطتى فى العمل.


الفتى: ولم لا تذهب إليه حيث يقهقه؟


العملاق: إنى أعرف ما أريد.


الفتى: سأجاريك فى أفكارك، فهل إذا وافقت على رأيك تشرع فى العمل؟


العملاق: ولكن ليس هذا بكل شىء.


الفتى: ثمة شروط أخرى؟


العملاق: لا تردد كلمة «شروط» فما أبغضها فى مقام الصداقة.


الفتى: طيب.. ماذا تريد أيضا؟


العملاق: فى فترة التأهب للمعركة أحتاج إلى رعاية خاصة.


الفتى: مثال ذلك؟


العملاق: تقدم لى الطعام والشراب والترفيه الضرورى.


الفتى: جميل، ولكن يخيل إلىّ أن مطالبك لم تنته بعد؟


العملاق: ما أجمل أن تدعو الفتاة الجليلة لمجالستنا!


الفتى: فتاتى؟


العملاق: إنها قلب كبير يتسع للجميع..


الفتى: ولعله يتسع أيضا لعدونا المشترك؟


العملاق: أعنى أننى فى حاجة إلى الحنان قبل المعركة.


الفتى: وماذا أيضا؟


العملاق: بما أننى سأكون يدك عند الحاجة، فمن الإنصاف أن لا تتورط فى فعل قبل مشاورتى..


الفتى: منطق سديد!


العملاق: ولا أن تصادق شخصا قبل موافقتى، فقد يكون لى عدوا!


الفتى: واحد وواحد يساويان اثنين.


العملاق: ولا أن تعادى شخصا قبل الرجوع إلىّ، فقد يكون لى صديقا.


الفتى: من يجادل فى ذلك؟


العملاق: هل نبدأ؟


الفتى: أود أن أسألك سؤالا، هل يمكن أن يفعل بى عدوى أكثر من ذلك؟


العملاق: (مستنكرا) ولكن الفعل يتغير معناه بتغير فاعله.


الفتى: فاعله؟!


العملاق: قبلة من زوجك غير قبلة من بنت هوى، وصفعة من والدك غير صفعة من غريب!


الفتى: وأنت تعتبر نفسك الوالد والزوجة لى؟


العملاق: بدأنا نتفاهم فى ما أعتقد.


الفتى: (غاضبا) اغرب عن وجهى.


العملاق: ماذا جرى لك؟


الفتى: اذهب.. اذهب بلا تردد.


العملاق: أين أذهب؟


الفتى: ابعد عن مقامى.


العملاق: ولكنه مقامى أنا أيضا.


الفتى: ماذا قلت؟


العملاق: يا
سيدى، مضى وقت طويل ونحن نتبادل الحديث، وقت يعطينى الحق فى الإقامة،
وبالإضافة إلى ذلك نشأت علاقة إنسانية صميمة مع فتاتك الحكيمة، بل مع هؤلاء
الأجداد أنفسهم
..


الفتى: أنت بلطجى..


العملاق: فليسامحك الله.


الفتى: اذهب بعيدا، لا أريد مساعدتك، وسألقى عدوى وحدى..


العملاق: عليك فى هذه الحال أن تقاتل اثنين!


الفتى: كيف؟


العملاق: إنك تناصبنى العداء، وسأضطر إلى الدفاع عن نفسى..


الفتى: تهاجمنى لأننى أرفض مساعدتك؟


العملاق: لأنك تريد أن تطردنى من مقامى، وتعطل وظيفتى الأساسية فى الحياة.


الفتى: لا تستهن بى، لست عملاقا مثلك، ولكننى مصرّ على منازلة الموت نفسه.


العملاق: ما دمت تريد الموت فلتمت.


الفتى: سأموت إذا مت وأنا أقاتل.


العملاق: إذن فلتقاتل ولتمت.


(تعود الفتاة مسرعة)


الفتاة: أردت أن تفتح صدرك للتفاهم لا للموت.


الفتى: إنه شر من الآخر.


العملاق: إنه أحمق.


الفتى: إنه من النوع الآخر، ولكنه شر منه.


الفتاة: يا للأسف!


الفتى: لا منفذ إلى حياة طيبة مع وجودهما.


الفتاة: متى أسمع كلمة جميلة تتردد؟


الفتى: عندما يختفيان هما وأمثالهما.


الفتاة: كلام قديم معاد.


الفتى: ولكنه حق.


الفتاة: متى أسمع كلمة جميلة تتردد؟


العملاق: إنى أردد هذه الكلمة المنشودة ولا من سميع.


الفتاة: (للعملاق) ألا يمكن أن تقيم ميزان العدالة بلا شروط؟


العملاق: إنى أبغض كلمة «شروط».


الفتاة: ألا يمكن أن تقيم ميزان العدالة دون أن تطالب بشىء؟


العملاق: لن يكون هذا من العدل فى شىء.


الفتاة: متى أسمع كلمة جميلة تتردد؟


(صوت القهقهة الهازئة يترامى


من بعيد)


(العملاق ينصت إلى الصوت


باهتمام ودهشة)


العملاق: رباه! إنى أعرف هذا الصوت!


الفتاة: إنه صوت عدوه.


العملاق: عدوه!


الفتاة: نعم.


العملاق: يا لعجائب المصادفات!


الفتاة: هذا هو الرجل الذى قصدت بتقديم مساعدتك القضاء عليه.


العملاق: هاهاها...


الفتاة: ماذا يضحكك؟


العملاق: إنه قريبى من ناحية الأم!


الفتاة: قريبك؟!


نعم.. يا لذكريات الطفولة السعيدة التى لا تنسى!


الفتى: ظننتك تعرف العدو الذى جئت متطوعا لضربه.


العملاق: هاهاها...


الفتى: ألا زلت عند رأيك فى مساعدتك؟


العملاق: ولكنك رفضت مساعدتى!


الفتى: هبنى قبلتها فهل تقدمها؟


العملاق: مع الشروط التى اشترطتها كافة؟


الفتى: لكنك تبغض كلمة «شروط»؟


العملاق: نعم أم لا؟


الفتى: نعم.


العملاق: فى هذه الحال ألعب دور رسول السلام بينكما.


الفتى: رسول السلام؟


العملاق: إكراما لهذه الفتاة الحكيمة، ولك.


الفتى: وتعهداتك السابقة؟


العملاق: للقربى حقوق، وإنى لا أوفيها حقها الكامل بموقفى هذا..


الفتى: ولكنه هو المعتدى؟


العملاق: ولو!


الفتى: وهو فى الأصل قاطع طرق ليس إلا؟


العملاق: ولو!


الفتى: إنه وحش ذميم.


العملاق: إنك لا تراه على حقيقته.


الفتى: ألم تسمع قهقهته الساخرة؟


العملاق: هذه هى طريقته فى المزاح، يا له من شاب خفيف الروح حقا!


الفتى: ولكنى أعرفه حق المعرفة، من خلال المعاملة والجوار والصراع عرفته.


العملاق: صدقنى إنه لا يكشف عن مكنون كنوزه إلا لمن يحبه ويفهمه.


الفتى: بل لا تلين عريكته إلا لمن يشكمه بالتأديب والضرب.


العملاق: أحمد الله على أنك لم تتمكن من ضربه.


الفتى: ولم؟


العملاق: كنت سأهرع إلى نجدته.


الفتى: ها أنت ذا تهددنى.


العملاق: للقرابة حقوق.


الفتى: تجلت الحقيقة، فما أنت إلا بلطجى كقريبك.


العملاق: يا له من تفكير خليق بأن يقود إلى الهلاك.


الفتى: لا تضيع وقتى هباء.


العملاق: تصرف بوقتك كما تشاء..


الفتى: سأسوى حسابى بنفسى.


الحب أقوى قوة فى الوجود بيد أنه سلاح لا يسلس إلا لمن يؤمن به


العملاق: أنت تعلم أن هذا الكلام لا معنى له، وقد وضحت لك أهداف وظيفتى.


الفتى: اللعنة!


العملاق: إنى
صديقك أردت أم لم ترد، وإنى قريبه قبلت ذلك أم لم تقبله، وأنا أكبر منكما
سنا وأعظم قوة، فواجبى أن أجمع بين ثلاثتنا بعهد صداقة دائمة جديرة بهذا
المكان الذى يؤاخى الأحياء والأموات أنفسهم
.



الفتى: كلام طيب ونية لئيمة وفعل غشوم...


العملاق: (مخاطبا الفتاة).. تكلمى أنت.


الفتاة: لم يعد عندى من جديد أقوله.


الفتى: اعترفى بأننى على حق.


الفتاة: أعترف بأنه لا يهمنى فى هذا الوجود إلا الحب.


العملاق: كم أنك حكيمة!


الفتى: كم أنك أنانية.


الفتاة: الحب عطاء بلا حدود ولا نهاية.


الفتى: الوحش يأخذ، لكنه لا يعرف العطاء.


الفتاة: ليتك تؤمن بالحب.


الفتى: لا حياة للحب بين الوحوش.


الفتاة: الحب أقوى قوة فى الوجود بيد أنه سلاح لا يسلس إلا لمن يؤمن به.


الفتى: للوحوش لغة أخرى.


الفتاة: أخشى أن تنقلب وحشا مثلهم.


الفتى: الكرامة أهم من الحياة نفسها.


الفتاة: الفضائل الحقيقية ثمار لا تنبت


إلا فوق شجرة الحب.


العملاق: (مخاطبا الفتى).. من المؤسف أنك تحب الموت أكثر مما تحب فتاتك الجميلة الحكيمة.


الفتى: الموت أحب إلىّ من الخضوع لإرادتك.


(القهقهة الساخرة تترامى من بعيد)


العملاق: يا له من فتى ضحوك يحب المزاح بقدر ما يحب الحياة الآمنة.


الفتى: إنك لئيم بقدر ما أنت قوى.


العملاق: أمامك عملاقان ووراءك حياة طيبة فارجع إلى الوراء.


الفتى: إلى الأمام.


العملاق: (للفتاة) أقترح أن ندعه لنفسه ليفكر بهدوء، فإن الجدل يغريه بالعناد والمكابرة.


(العملاق والفتاة يخرجان من بابين متقاربين فى الناحية اليمنى).


(الفتى يتفكر قليلا.. ينظر ناحية المصطبة المسربلة فى الظلام).


الفتى: آن لكم أن تنطقوا.


الصدى: تنطقوا!


(الفتى يلوّح بيده غاضبا يذهب ويجىء متفكرا.. يدخل رجل أعمى يتحسس طريقه بعكاز، يتنصت مائلا برأسه نحو الفتى)


الشحاذ: هل يوجد أحد هنا؟


الفتى: نعم.


الشحاذ: أنت الذى ناديتنى؟


الفتى: كلا.


الشحاذ: لكنه صوتك وأذنى لا تخطئ.


الفتى: خبرنى عما تريد.


الشحاذ: ماذا تريد أنت؟


الفتى: ألست شحاذا؟


الشحاذ: بلى.


الفتى: لعلك تريد إحسانا؟


الشحاذ: رزقت اليوم بما فيه الكفاية، فماذا تريد أنت؟


الفتى: لا أريد شيئا.


الشحاذ: كذب!


الفتى: شحاذ ووقح.


من المؤسف أنك تحب الموت أكثر مما تحب فتاتك الجميلة الحكيمة


الشحاذ: لمَ تشتمنى؟


الفتى: كيف تجرؤ على رمىى بالكذب؟


الشحاذ: لأنك كذاب!


(الفتى يرفع يده ليضربه ولكنه يتراجع أمام عجزه)


الفتى: اذهب قبل أن أكسر رأسك.


الشحاذ: لا أذهب حتى أعرف لماذا ناديتنى.. وماذا تريد منى.


الفتى: اذهب أحسن لك.


الشحاذ: ليس قبل أن أعرف ماذا تريد؟


الفتى: (ساخرا) وهل عندك ما تعطيه؟


الشحاذ: اطلب ما تشاء.


الفضائل الحقيقية ثمار


لا تنبت إلا فوق


شجرة الحب


الفتى: (ضاحكا رغما عنه) إنى مدين لك بأول ضحكة فى يومى.


الشحاذ: هذا قليل من كثير مما عندى.


الفتى: يخيل إلىّ أنك غنى.


الشحاذ: جدا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ادارة المنتدى الثقافى
مشرف
مشرف
ادارة المنتدى الثقافى


احترام قوانين المنتدى احترام قوانين المنتدى : 100 %

الأوســــــمـــــــــــــــــة : الكاتب المميز

رسالة sms : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 120px" border=1][tr][td]
النص المرافق[/td][/tr][/table]


عدد المساهمات : 74

نقاط : 170

السٌّمعَة : 8

تاريخ التسجيل : 09/04/2012

مصري

الابراج : العذراء

الأبراج الصينية : النمر

العمل/الترفيه : إنني أكتب لأكون وأكون لأكتب، لأن بياض الأوراق يخيفني ويتحداني, وهو يذكّرني بالشيب وبالثلج وبالأكفان

المزاج : ثورجى

نوع المتصفح : جوجل كروم


نص مسرحية " يميت ويحى " لنجيب محفوظ Empty
مُساهمةموضوع: رد: نص مسرحية " يميت ويحى " لنجيب محفوظ   نص مسرحية " يميت ويحى " لنجيب محفوظ Icon_minitimeالخميس يونيو 28, 2012 9:58 pm

الفتى: ماذا تمتلك؟


الشحاذ: عالم الظلام الذى لا نهاية له.


الفتى: أنت خفيف الروح رغم سلاطة لسانك، وكان ينبغى أن تجد ملجأ يؤويك.


الشحاذ: التحقت ذات يوم بملجأ.


الفتى: ولم تركته؟


الشحاذ: رُفتُّ!


الفتى: (ضاحكا) أسمع أول مرة عن رفت الشحاذين!


الشحاذ: كان ناظر الملجأ فظا غليظا ولصا لا حياء له.


الفتى: وتوقع أن تسبحوا بحمده على أى حال؟


الشحاذ: ولكن بعضنا تمرد وكنت على رأس المتمردين!


الفتى: وفضلت أن تهيم على وجهك بلا مأوى؟


الشحاذ: نعم.


الفتى: ولكن أليس الملجأ بكل عيوبه أفضل من التسول والتشرد؟


الشحاذ: الحرية أفضل من الأمن نفسه!


الفتى: يخيل إلىّ أنك شحاذ مثقف!


الشحاذ: أعرف أشياء كثيرة.


الفتى: مثل ماذا؟


الشحاذ: أن أرى بأذنى.


الفتى: وماذا أيضا؟


الشحاذ: وأن أسير على يدى!


الفتى: أن ترى بأذنيك وتسير على يديك!


الشحاذ: وصادفنى فى تجوالى بعض الرسميين فقادونى مرة أخرى إلى الملجأ.


الفتى: إلى الوحش؟


الشحاذ: كلا، كان قد خلفه ناظر جديد عادل وأمين ورحيم..


الفتى: وكيف تركته بعد ذلك؟


الشحاذ: هربت!


الفتى: غير معقول.


الشحاذ: كان عادلا وأمينا ورحيما ولكنه مغرم بالنظام لدرجة الهوس ويطبقه بدقة فلكية، ولا يقبل مراجعة.


الفتى: ولكنك نعمت بالغذاء والكساء والراحة والنظافة.


الشحاذ: الأكل بميعاد والشرب بميعاد و«ولاء مؤاخذة» بميعاد، والنوم بميعاد، فكدت أن أجن.


الفتى: وتمردت مرة أخرى؟


الشحاذ: حتى التمرد حرمت منه فلم يطاوعنى ضميرى على التمرد على رجل عادل أمين رحيم.


الفتى: كان عليك أن ترضى،،


الشحاذ: حتى التمرد حرمت منه!


الفتى: التمرد ليس خيرا فى ذاته.


الشحاذ: ولكنه خير من أن تكون حجرا.


ينابيع الحياة الحقة مهددة بالجفاف، أشواق القلب الخالدة يساومها الضياع


الفتى: وهكذا هربت؟


الشحاذ: هكذا هربت.


الفتى: إلى التراب والحشرات واللقمة العفنة!


الشحاذ: إلى سعادتى الحقيقية.


الفتى: حديثك مثير وعجيب.


الشحاذ: فُتَّك بعافية.


(الشحاذ يتحرك)


الفتى: انتظر.


(الشحاذ يستمر فى سيره)


الفتى: ألا تريد أن تسمعنى؟


(يمضى الشحاذ حتى يختفى)


(يعود العملاق.. تعود الفتاة)


الفتاة: قلبى طيلة الوقت معك..


العملاق: لعلك اقتنعت برأىى.


الفتى: أيها السيد الذى يحب الشر، ويحب الخير أحيانا لحساب الشر. أيتها السيدة التى تحب الخير، وتحب الشر أحيانا لحساب الخير.


إليكما رأيى النهائى.


سأصون كرامتى حتى الموت.


الفتاة: (تخفى وجهها بين يديها وستظل كذلك إلى ما قبل النهاية)


العملاق: شعار الوباء الذى فتك بملايين الحمقى..


الفتى: ينابيع الحياة الحقة مهددة بالجفاف، أشواق القلب الخالدة يساومها الضياع، سحقا للوحشة التى تذبل فيها معانى الأشياء، إنى ذاهب


(القهقهة الساخرة ترتفع)


(الفتى
يتحول نحوها فى إصرار ويتقدم.. العملاق يثب نحوه.. الفتى يدفعه.. العملاق
يقبض على كتفيه ويدفع به نحو المصطبة.. الفتى يندفع حتى يغيب فى الظلمة،
الفتى يرتد كأنه كرة ارتطمت بجدار منقلبا على وجهه ثم يقف مترنحا، كأن
حركته أيقظت الرقود وشدته من رقادهم.. يتدحرج أولهم حتى يصل إلى مقدم
المسرح وينهض فى تثاقل كمن يقوم من نوم.. يتبعه آخر مكررا الحركة نفهسا
..
ويتتابع كثيرون رجالا ونساء مكررين الحركات نفسها حتى يكتظ بهم المسرح.



العملاق يتزحزح رويدا رويدا حتى يغيب فى المدخل المفضى إلى القهقهة الساخرة.


تتم
يقظة الجميع تنتصب قامتهم.. يرتسم العزم فى وجوههم.. يجرى ذلك فى تمثيل
صامت.. يسير الفتى نحو ناحية عدوه وهو يضرب الأرض ضربات مسموعة منتظمة
.. يمضون خلفه فى عزم صلب حتى يختفوا جميعا..
ضربات أقدامهم ما زالت تترامى
).



الفتاة: (ترفع يديها عن وجهها.. تصغى بحزن.. وترمى بنظرها إلى بعيد).


تمت



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نص مسرحية " يميت ويحى " لنجيب محفوظ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من أشهر أدباء العرب . نجيب محفوظ
» جائزة فلايانو لحسين محمود‮ ‬ بعد تعقبه لأثر محفوظ في إيطاليا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قلب الحياة :: عـالـم الـحـيــاة الثـــقــافى ألادبــــى :: قسم الوان السما السبعة :: مسرح-
انتقل الى:  
أختر لغة المنتدى من هنا

قلب الحياة

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الأن بتوقيت (مصر)
جميع الحقوق محفوظة لـقلب الحياة
 Powered by Aseer Al Domoo3 ®https://qalapalhaya.ahlamountada.com
حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010