فخ الحرية !!

فخ الحرية ..
.. كنت صغيرةًٌ جداً حين رمقنى أبى –شفاه الله – بنظرةٍ مستاءة وعاتبنى بهدوءه المعتاد على رداءٍ ارتديته عارِ الأكتاف ؛ وقتها قال لى " كيف تسيرين وأنتِ تعرضين لحمكِ للناس ؟! "
وقتها خجلت من أبى وكان ذلك هو عتابه الوحيد لى على مدى حياتى ؛ وبالرغم من خجلى وقتها إلا أننى كنت حانقةً على تلك العادات التى تقيدنى وتمنعنى من أن أكون كصديقاتى وزميلاتى ؛ ولعنت وقتها وأنا الطفلة الصغيرة اصولى الصعيدية المتزمتة بل وكرهتها ؛ ومع ذلك لم أرد كلمة أبى ولم أفعلها من وراءه إحتراماً له وربما تفهماً فيما بعد .
.. ومضى العُمر ؛ وها أنا اطالع بالجريدة الأخبار عن فتاة مصرية تنشر صورتها عاريةً تماماً ؛ وتعلن بكل بجاحة تمردها على الموروث القيمى وإزدرائها للمعتقدات وللأديان على جملتها .
.. ودارت الدنيا برأسى ؛ هل هذه هى الحرية التى طالما نادينا بها ؟ !
وأُجيب نفسى .. هذه حريتها الشخصية ..
وهنا تتجاذبنى الأفكار وتشتتنى .. " انت حر ما لم تضٌر "
يمكننى عدم الدخول على صفحتها ؛ يمكننى ويمكننى ويمكننى ولكن ..
ما الذى يمنع أن تنتشر ثقافةٍ مثل تلك الثقافة .. أليس كل شىء غريب فى بدايته قوبل بالإمتعاضِ والمحاربة من المجتمع ثم ومع الزمن أصبح عادياً ؟!
هل ستتسرب هذه الثقافة الى أولادى فى المستقبل ؟؟!
أذكر ان عمى عاش ومات ولم يرَ إبنه يدخن سيجارةً قط ؛ رغم علمه بأنه يُدخن ؛ فقط إعمالاً لقيم الإحترام التى غُرست فينا تلقائياً كمجتمع ونحنُ صغار ؛ والأن نجد الأب وابنه يتعازمان فيما بينهما على السجائر ولا يخطر فى بال أيهما أى شىءٍ مما ذكرته عن القيم أو الإحترام حتى انه لم يعد عيباً كون الأبن يدخن أمام والده .
والأن أصبح الموضوع أكبر واللعبة أخطر ؛ فهل وقعنا فى فخ الحرية ؟!
ما هى الحرية ؟
وما هى حدود هذه الحرية ؟
ومن الذى يٌقيم هذه الحدود ؟
ومن الذى يشرع لها ويُفعِل حدودها ؟
وهل وقعنا ما بين شِقى رحى ؟! .. فإما ان نقبل حرية الموتورون ؛ والمعاتيه بحجة أنها فِعل شخصى ونتركها الى أن تكون ضمن ثقافتنا العادية ونصبح بين ليلةً وضحاها لنرى أولادنا عرايا فى الطرقات وإما أن نرتضى رغماً عنا بمقابل المعادلة الصعبة ونرضى بأن يتصدر المشهد المهووسون والمتطرفون والمغالون فى الدين !!