قلب الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قلب الحياة

أعوام من الوجود بعالم الشبكة العنكبوتية
 
الرئيسيةالمستشار الاجتماعي المجانى البوابةدخولالمستشار القانوني المجانيالتسجيلأحدث الصورالعاب اون لاين مجانا

 

  مسابقة العصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
لمياء
 
 
لمياء


احترام قوانين المنتدى احترام قوانين المنتدى : 100 %

الأوســــــمـــــــــــــــــة : وسام الابداع

عدد المساهمات : 6242

نقاط : 15259

السٌّمعَة : 60

تاريخ التسجيل : 17/04/2011

مصرية

الابراج : الدلو

الأبراج الصينية : الحصان

العمل/الترفيه : طالبة *_*

الموقع : في قلب حبيبي

المزاج : عال العال ^_^

تعاليق : يـــــابخـــــتها اللـــى هـــاكـــــون ""انـــــــا"" مــــرات ابـنـــــها ^____*

نوع المتصفح : جوجل كروم


 مسابقة العصر Empty
مُساهمةموضوع: مسابقة العصر    مسابقة العصر Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 20, 2011 8:32 pm

(1)


ربما لو أخبرتك اليوم أننا وفي عصرنا هذا أصبحنا نمتلك النانو روبوت, لسخرت مني أو اعتقدت أنني أهذي, لكنها الحقيقة مهما رفضتها..
لا تعرف ما هو النانو روبوت أصلاً؟.. لا بأس.. إنه وببساطة روبوت شديد الصغر, بل هو أقرب لحجم الذرة, لكنه روبوت متكامل قادر على تنفيذ المهام وتسجيل وتخزين المعلومات, كما يمتلك شريحة ذكاء صناعي تمكنه من التصرف في بعض المواقف, وفقًا لنوع برمجته.. وهذا كله لا يؤثر في حجمه الذي لا يرى إلا بالمجاهر الحديثة..
مرة أخرى لا تسخر من الفكرة أو ترفضها, وتذكر..
أنت الآن تعيش في عصر الهواتف المحمولة بالغة الصغر, والشاشات التي تعمل باللمس, وكاميرات الإنترنت التي لا يتجاوز حجمها السنتيمترات, وكلها اختراعات لو تحدثت عنها قبل وجودها بعشر سنوات, لأخبرك الكل وبصراحة أنك مجنون وأحمق!
ثم إن مشروع النانو روبوت هذا, هو امتداد لأبحاث النانو تكنولوجي التي بدأت قبل أن تقرأ أنت هذه الأسطر, وتقدمت في عصرنا هذا, لتصبح النانو روبوتات حقيقة واقعة, تعيش في أجسادنا وتحافظ عليها من كل ما يتعرض له جسدك الآن ويتلف بسببه..
اليابانيون من فعلوها وهذه حقيقة أخرى اعتدناها من زمن طويل..
دائمًا ما تأتي التكنولوجيا الحديثة من اليابان ليصنعها العالم كله بعدهم, وكان العالم (ياكاشي هوراشاكي) يردد وهو يتسلم جائزة نوبل عن إنجازه في هذا المجال:
من اليوم.. ستحظى أجسادنا بالاحترام الذي تستحقه..
وفي هذه النقطة كان محقًّا, لكنه كان ضيق الأفق نوعًا ما..
بحقنة واحدة سيتم ضخ ملايين النانو ربوتات لتعيش في جسدك إلى الأبد, ولتحافظ عليه حتى تحين ساعتك لأسباب طبيعية بحتة, لكن وحتى هذه اللحظة المجيدة, يمكنك أن تنسى المرض والشيخوخة والفيروسات والبكتريا والسرطان والكوليسترول, وحتى الكسور والإصابات, فالروبوتات في جسدك تعرف ما عليها فعله تمامًا..
في عصرنا هذا يعيش كل واحد منا, وفي جسده جيش يعمل على حمايته من أي عامل يضرّ به سواء كان داخليًّا أو خارجيًّا, وهذا الجيش لا يتوقف عن العمل لحظة واحدة منذ أن يسري في عروقك..
كل شيء يتم مراقبته وقياسه وتسجيله, وكل طارئ يتم التعامل معه, قبل أن ترسل إشارة إلى جهاز عرض خاص, يبلغك بتطورات جسدك أولاً فأول, ولو حدث خلل ما – رغم أن هذا لم يحدث حتى الآن –سترسل إشارة أخرى لوحدة الأبحاث الصحية التكنولوجية, التي سترسل لك فريقًا قادرا على التعامل مع هذا الخلل, في دقائق معدودة..
هنا يبدو الأمر حلما جميلا نحياه على أرض الواقع, لكنني وكما أخبرتك اكتشفت أن في هذا ضيق أفق لا حد له..
بانتهاء المرض وبالقضاء على الشيخوخة أصبحنا نتزايد كالحشرات, وحتى جيوش النانو روبوتات, لم تتمكن من حل مشكلة الماء والغذاء والسكن, لتعلن مشكلة التضخم السكاني عن نفسها بشراسة..
وهنا تحتاج المشكلة لتدخل البشر لحلها..
وأنا وجدت هذا الحل..
واليوم سأخبرك به..
* * *
حقيقة أخرى يجب أن تدركها عن عالمك الذي تحيا فيه, وهي أن كل شيء يحدث حولك يتوقف على كلمتين اثنتين لا ثالث لهما..
نسبة المشاهدة!
في عصرك الذي تقرأ فيه هذه الأسطر, تعرف أنه لا يوجد منزل في العالم لا يوجد فيه تلفاز, وفي عصرنا نحن أدركنا أن كل شيء حدث في التاريخ, كان يتوقف على نسبة مشاهدة هذا التلفاز..
طالما أنت تشاهده سيظل موجودًا.. حكمة لا أذكر من قالها في عصرنا, لكنها صادقة للغاية..
لا تفهم ما أعنيه؟.. سأحاول تبسيط الأمر.. افترض أن هناك برنامجًا يعرض على التلفاز وأنه حقق نجاحًا شديدًَا, وبالتالي نسبة مشاهدة عالية.. ما الذي سيحدث؟
ستنتبه كل الشركات العالمية لهذا البرنامج وستقوم هي والشركات الإعلانية بعرض إعلانات منتجاتها في هذا البرنامج.. بالتالي سترى أنت هذه الإعلانات بصورة قادرة على تنويمك مغناطيسيًّا حتى تشتري منتجاتها, ليحصل صناع البرنامج والإعلان والمنتج على نقودك, قبل أن يفتر اهتمام المشاهدين بهذا البرنامج, لتختفي منه الإعلانات التي كانت تساعد على استمراره –الجودة لا تعني الاستمرار!– ولينتقل الكل إلى برنامج أو فيلم أو حتى حدث إخباري يحقق نسبة مشاهدة أعلى..
أي إنك تشاهد لينجحوا هم, وليتمكنوا من يحصلوا على أموال من إعلانات عن منتجات ستشتريها أنت, وبالتالي يزداد ربحهم الذي يمكنهم من عرض المزيد من الإعلانات التي ستحدد أنت ومن مثلك نسبة مشاهدتها, وكل هذا يبدو في النهاية وكأنه صنع لخدمتك أنت!


ولا يتوقف الأمر عند هذه الحقيقية فحسب..
تخيّل لو أن هناك برنامجًا يناقش سلسلة جرائم مخيفة تحدث في بلدك؟.. سيشاهد الكل البرنامج.. ستعرض فيه الإعلانات.. ستمنح أنت نقودك للكل إلا القاتل ذا الفضل الحقيقي في هذا النجاح..
ببساطة لو توقف أو قبض عليه, سيفقد البرنامج بريقه وستقل نسبة مشاهدته..
والآن تخيل لو أنه ليس قاتلاًَ.. بل هو تنظيم إجرامي.. أو هي قضية فساد ضخمة.. أو أسرار مشينة تعرض لأول مرة.. أو مشاهد لا تجوز لمن هم أعمارهم أقل من 18 سنة.. هل انتبهت لما أعنيه؟؟
جميع ما سبق هو ما يحقق أعلى نسبة مشاهدة, ومهما حاولت أن تكذب على نفسك, فلن تملك نفسك من الشعور بالإحباط لو توقف القاتل عن ارتكاب جرائمه التي كنت تتابعها كل أسبوع, أو لو انتهى الأمر بهؤلاء الفاسدين بمحاكمة هزلية تعيدهم لدائرة الظل مرة أخرى, لتعود أنت لروتين حياتك الذي لا يتغير..
هيا لنعترف معًا.. نحن نحب أسوأ ما يمكن حدوثه للآخرين –على ألا نتعرض نحن له– ونحن على استعداد لمتابعته وزيادة نسبة مشاهدته, لتدور عجلات الأموال التي لا تسحق سوانا..
ما علاقة هذا كله بالنانوروبوتات؟
الآن ستعرف..
* * *
في عصرنا هذا لم يعد هناك شيء مهم!
في أرض لا يوجد فيها مكان للمرض أو الحرب لا توجد أي متعة.. صدقني أو أصغ لي حتى النهاية لترى بنفسك كيف ساء الوضع في عصرنا هذا..


أنت تعيش حياة مثيرة كل يوم دون أن تشعر.. تستيقظ فلا تعرف إن كان هذا هو اليوم الذي سيفصح فيه جسدك عن مرض جديد أم لا.. تتناول إفطارك ذا نكهة المبيدات وبالماء الملوّث دون أن تشعر بالخلايا السرطانية التي تحاول الاستيقاظ في أعضائك.. ثم تخرج من منزلك لتواجه العالم بغير سلاح أو حتى الحذر..
قد تصيبك سيارة مسرعة.. فيروس طائر.. رصاصة طائشة.. حفرة عميقة.. جسم ثقيل يسقط من السماء.. أداة حادة تخترق جسدك.. أدخنة سامة.. موجات محطات تقوية شبكات الاتصال.. موجات الهواتف المحمولة.. أشعة فوق بنفسجية..
وهذه هي الأشياء التي تسبب الحوادث فقط لا الجرائم!
تواجه أنت هذا كله كل يوم, لتنطلق إلى عملك حيث تنتظرك آلاف الفرص الأخرى للهلاك, لكنك تخوض بينها لتعود إلى منزلك في نهاية اليوم, ولينتهي يومك في فراشك على وعد بمغامرة جديدة غدًا..
أنت تستيقظ تخاطر.. تجرّب.. تسعى.. تنجح أو تفشل.. تهلك أو تنجو..
أنت تحيا..
أمّا نحن.. فبفضل النانوتكنولوجي لم تعد الحياة كما كانت..
أي مرض ستقوم الروبوتات المجهرية في جسدك بالتعامل مع على الفور.. أي إصابة سيتم وقف النزيف وإصلاح أو استبدال الأنسجة التالفة بأخرى يتم استنساخها فوريًّا.. حتى لو أطلقت على أحدنا رصاصة, ستخرج من جسده بعد لحظات دون أن تؤثر فيه إلا بقليل من الألم, ستتغلب عليه النانوروبوتات على الفور, بتعطيلها للأعصاب الحسية..أي شوائب تدخل أجسادنا تنقى على الفور.. أي أدخنة أو أبخرة تصفى قبل أن تمتصها رئاتنا.. أي خلية سرطانية تتثاءب مستيقظة, تقتل في مكانها على الفور.. الكوليسترول يذاب أولاً فأول.. الإنزيمات تفرز بحساب.. الجسد كله يعمل في تناغم لا يمكنك حتى أن تحلم به..
بالتالي..
لم يعد هناك مكان لشركات الأدوية, فلم يعد هناك مرض لسوء حظهم!.. ومع الوقت بدأت المستشفيات والوحدات الصحية في الانقراض هي الأخرى, لتنضم لها شركات ومؤسسات الأدوات الصحية والعلاجية, وهذه كانت الضربة الأولى..
الأذكياء استبدلوا نشاطهم بتصنيع النانوروبوتات على الفور, ومن استغرقوا وقتًا في الدراسة والتأني, أفلسوا على الفور.. لكن هذا لم يكن كل شيء..
فمع الوقت أدركنا أننا نفعل كل شيء في هذه الحياة من أجل أجسادنا لا أكثر.. نحن نعمل وننجح لنحصل على المال الذي نشتري به الطعام لأجسادنا.. الملبس لأجسادنا.. المكان الذي نؤوي فيه أجسادنا.. المتع التي تستهلكها أجسادنا.. حتى أنت تمارس هذا الخطأ كل يوم دون أن تشعر..
نعم.. هناك اثنان منك الآن.. من يقرأ هذه السطور ويفكر.. ومن ينتظرك لتنتهي لتطعمه أو تسقيه أو تمنحه الراحة أو المتعة, وهذا الآخر هو أنت أيضًا!
أنت تعمل من أجل أنت, ثم جاءت النانوروبوتات لتعلن لك أن جسدك لم يعد في حاجة لك..
هكذا تناقص الإقبال على السلع الاستهلاكية.. وهنا كانت الضربة الثانية..
الشركات الغذائية.. الشركات الوقائية.. الشركات الخدمية..
الأذكياء استبدلوا نشاطهم بتصنيع النانوروبوتات على الفور, ومن استغرقوا وقتًا في الدراسة والتأني, أفلسوا على الفور..
ثم انتبهنا لحقيقة أخرى.. لا أحد يموت مريضًا أو مصابًا أو مقتولاً أو مأسوفًا عليه.. عليك أن تنتحر أو..
عفوًا لقد نفد رصيدك!
وهناك كانت الضربة الثالثة..
لم تعد هناك حروب أو صراعات.. انهار سوق السلاح.. الشركات الأمنية.. المؤسسات الدفاعية.. لم تعد هناك جريمة.. لم تعد هناك متعة.. لم يعد هناك أمل..
ثم جاءت الضربة الرابعة مدوّية بحق..
لم تعد هناك منتجات.. إعلانات.. نسبة مشاهدة التي هي شريان الحياة في أي مجتمع!!!
أصبحنا كلنا نعيش في أمان وسعادة ورخاء..
ويالها من حياة لعينة!
هنا يأتي دور العباقرة أمثالي ليجدوا حلاًّ لهذا كله..
وهنا أتفوق أنا على الجميع, لأنقذ عالمنا من تلك الهوة السحيقة التي سقطنا فيها..
والحل كان أبسط من اللازم لذا لم يره أحد سواي.. فكّر..
لو ربطنا بين النانوروبوتات ونسبة المشاهدة.. فما الذي سنحصل عليه؟!
أنا عرفت إجابة هذا السؤال.. وأنا دفعت ثمن هذه الإجابة!
* * *
(2)

في عالم لا مكان للمرض أو الخطر فيه, يصبح للموت ثمن..
قرأت هذه الجملة لأديب من أدباء عصرنا.. كتبها قبل أن ينتحر على الرغم من كل محاولات النانوروبوتات في جسده لإنقاذه..
شيء آخر تذكرته على الرغم من أنني شاهدته في صباي.. هزلي أمريكي يقدم عروضًا ساخرة قال ذات مرة.. لماذا نشاهد برامج من يربحون في المسابقات ونتحمس لها؟
أنت تشاهد شخصا آخر سواك يحاول.. ينجح.. يزداد ثراءً لمجرد أنه داخل التلفاز لا خارجه.. ثم تعود أنت لحياتك المتواضعة!.. لو أردنا نسبة مشاهدة حقيقية لنطبق العكس..
لنأتي ببعض الأثرياء ولندخلهم في مسابقات تنتهي بإفلاسهم!!
هنا سيشاهد العالم كله البرنامج.. هنا ستجلس أنت وأسرتك ترمقون ذلك الوغد الثري, وهو يتحول إلى واحد منكم بالتدريج, حتى ينتهي به الأمر وقد أصبح أقل منك أنت شخصيًّا..
فكرة تستحق التفكير حقًّا ولا تنكر هذا..
لكن في عصرنا هذا لا أهمية للمال كما كان الأمر في عصرك.. نعم هو مهم, لكنه لم يعد مثيرًا كما كان, ففي عصرنا هذا توجد أشياء أهم.. أشياء فقدها يؤدي إلى نسبة مشاهدة أعلى..
وأنا أعرف ما هي هذه الأشياء..
هكذا قضيت عدة سنوات أموّل مشروعًا سريًّا لتطوير مقعد أسميناه (نانو – كنترول).. من يجلس على هذا المقعد, تصبح النانوروبوتات في جسده ملكًا لي, أتحكم فيها كيفما أشاء..
هكذا يصبح جسدك ملكي ويصبح مصيرك رهن ضغطات من أصابعي على لوحة المفاتيح..
يبقى أن تعرف أنني أدير قناة تلفزيونية في عصري, لتدرك ما أعنيه..
التلفاز –على الرغم من كل هذه السنوات– لم يفقد سطوته أو سحره..
نسبة المشاهدة لا تزال تتحكم في مصائر الجميع حتى لو أنكروا هذا أو تناسوه..
برنامجي الجديد الذي أعلنت عنه أعاد الحياة لنظريات كادت تهلك.. لأنه وببساطة..
أعاد الموت!
* * *
فكرة البرنامج بسيطة للغاية..
المتسابق سيتقدم لمقر البرنامج وسيوافق على كل شروطنا دون مناقشة, وبهذا نتجنب نحن التفاصيل القانونية المزعجة والتي كان من الممكن التغلب عليها على كل حال.. سيتم تحديد يوم له وسيأتي فيه ليخوض مسابقتنا البسيطة..
اجلس على مقعد الـ (نانو – كنترول) وسنوّجه لك بعض الأسئلة الثقافية المتنوعة.. لو أجبت على كل سؤال ستحصل على دفعات مالية ضخمة وهذا لا يهم.. المهم أنك في كل مرة ستخطئ فيها في إجابة سؤال, ستقوم النانوروبوتات في جسدك, والتي نتحكم فيها طالما أنت على المقعد, بتدمير عضو من أعضاء جسدك!
إجابة خاطئة.. ستقوم النانو روبوتات بتدمير كليتك اليمنى..
إجابة أخرى خاطئة.. ستقوم النانو روبوتات بتدمير نصف كبدك الأيسر..
إجابة أخرى خاطئة.. حاول أن تعيش برئة واحدة..
إجابة رابعة خاطئة.. سيتم اختيار عضو عشوائي, وهنا عليك أنت والمشاهدين أن تدعو أن يكون هذا العضو هو طحالك أو مرارتك أو حتى مثانتك وإلا..
وإلا ستهلك!
ولا مجال للتراجع هنا..
من يبدأ المسابقة يكملها حتى يحصل على الثروة, أو يهلك من أجلها.. وبهذا يتحول مقعدنا إلى شيء أشبه بمقعد الإعدام, وهذا يعني أن الأمر مثير..
أن الكل سيشاهده..
أنه سيحقق نسبة المشاهدة المرجوّة في عصر تعيش فيه أجسادنا بإرادة روبوتات مجهرية..
ينقصنا اسم مبتذل لهذه المسابقة لنبدأ.. والابتذال مهم..
المشاهد يستغرق وقتًا للتعرف على الأشياء الجديدة, والوقت في عالم البث المرئي يكلف أموالاً فوق قدرتك على التخيل.. لهذا تجد أسماءً على غرار مشروب الصحة.. ينبوع الحيوية.. عملاق الطاقة.. إمبراطور الفيزياء!
المسابقة واضحة ولا تحتاج إلا لاسم سخيف يعلق بالأذهان, ويصلح لبدء حملة الدعاية..
نعم..
لنسمها مسابقة العصر!
* * *
بالطبع هاجمنا الجميع في البداية, ولم نكن لنحلم بما هو أفضل من هذا..
الدعاية السلبية يا عزيزي تفوق أهمية الدعاية الإيجابية بمراحل.. تخيّل لو قرأت في أحد الصحف تحذيرا من الذهاب للمتجر (س) في مدينتك.. تحذيرا واضحا وصريحا هو أقرب إلى المنع..
حينها قد لا تصل لهذا المتجر فعلاً, لفرط الزحام من حوله!
كل الصحف اتهمتنا بالوحشية.. بالهمجية.. بانتهاك حقوق الإنسان.. بالعبث في مصائر البشر.. وكل هذا يترجم في النهاية إلى زيادة في نسبة المشاهدة..
بالطبع احتجنا لعباقرة القانون –وهم متوفرون ما دام المال متوفرا– لينهوا لنا كل الإجراءات القانونية اللازمة لنبقى خارج السجون.. ثم بدأ عباقرة الدعاية عملهم, مستغلين أكثر عامل جذب في التاريخ البشري..

تحدي الموت..
أحد مصمصي الإعلانات قدّم لي نموذجًا لبوستر البرنامج, وكان عبارة عن كومة من الجثث, تحيط بالمقعد الرهيب الذي يعلو كل هذه الجثث كأنما هو يتحداك أو ينتظرك.. الفكرة كانت مباشرة أكثر من اللازم لهذا رفضتها..
تكفينا صورة للمقعد ومتسابق يجلس عليه ينظر لك في رعب ورجاء!
الآن أنت متورط معنا في البرنامج.. أنت تنظر لهذا المتسابق لا تعرف إن كان سينجو أم لا.. بل إنك لا تعرف إن كنت تريده أن ينجو أم لا..
مع الوقت ستتخيل نفسك مكان هذا المتسابق..
ستحلم بالليلة التي تجلس فيها على هذا المقعد, تنتظر السؤال الذي سيقرر إن كان رصيدك في البنك سيتضاعف أم..
ستخسر كلية.. كبدا.. رئة.. عضوا آخر قد لا يهمّ أو قد يقضي عليك..
والحملة الإعلانية يجب أن تطول على قدر الاستطاعة, حتى لا يصبح حديث للمشاهدين إلا عن المسابقة ومتى ستبدأ.. دعهم يعترضون ويفترضون ويتناقشون ويتجاوبون ويتفاعلون, لكنهم في النهاية سينتظرون في لهفة وشغف..
وفي النهاية أبدأ أنا بثّ البرنامج لأعيد لحياتنا أشياء كثيرة كانت تنقصها..
* * *
87 في المائة من سكان الكوكب شاهدوا الحلقة الأولى من البرنامج.. هل تتخيل نجاحًا أعظم من هذا؟!!
الواقع أنني لم أتخيل هذه النسبة من المشاهدة على الإطلاق.. الرقم الذي يعني أننا حققنا ما نصبو له وأكثر كان 63%..


لكن 87%!!
العالم كله شاهد هذه الحلقة إلا من لم يبلغوا بعد سن المشاهدة, وهي مسألة وقت لا أكثر..
إنه النجاح كما ينبغي للنجاح أن يكون..
المتسابق الأول كان مدرسًا في أحد المدارس الثانوية.. رجل في منتصف الثلاثينيات متزوج وله ابن في السادسة من عمره.. حالته الاجتماعية لا بأس بها, لكن حلم الثراء السريع لا ينجو منه أحد..
كان مرحًا بحق وكان يحاول التغلب على رهبة المسابقة بمزحات يطلقها طيلة الوقت, الأمر الذي فسّره الخبراء فيما بعد بكونها حيلة دفاعية معتادة, يمارسها من هم مقبلون على خطر لا يدركون ما هو بالضبط.. أنت لا تعرف كيف ستشعر حين تهشم النانو روبوتات أنسجة كبدك.. لا تعرف إن كنت ستشعر بالألم أم لا..
على أية حال..
لا أذكر اسم المتسابق الأول, رغم أن صورته احتلت الصفحات الأولى من الصحف طويلاً بعد الحلقة, لكني أذكر ما حدث له بالتفصيل..
إنها أول حلقة وبداية النجاح و..
وبداية النهاية كما سأعرف فيما بعد..
* * *
(3)

جلست مع العالم كله أشاهد الحلقة, فلم يكن هناك مجال للتسجيل قبل العرض..
البرنامج يبثّ على الهواء مباشرة, وما تراه الآن يحدث الآن, أمّا ما سيحدث فهو ما سنعرفه حالاً..
في البداية تأتي الأسئلة السخيفة المعتادة التي تغرسك أكثر في الفخ دون أن تشعر.. تلك الأسئلة التي يمكن لأي طفل أن يجيب عليها, والتي تمنحك شعورًا نسبيًّا بالأمان ومبلغًا لا بأس به في البداية و.. و..
وبعد هذه المرحلة تبدأ الأسئلة الحقيقية..
هكذا جلس المتسابق الأول يتصبب عرقًا, وهو في انتظار أول سؤال (حقيقي) وقد ظهر على شاشة ضخمة خلفه, بثّ دقيق لحالة جسده الآن وفقًا لما تسجّله النانوروبوتات في جسده.. نبضات قلبه.. سرعة تنفسه.. وظائف الكلى والكبد.. الأوعية الدموية.. الإشارات العصبية.. كل ما يمكنك قراءته وتسجيله ويعني أنك ما زلت حيًّا..
وهنا يجب أن أتوقف لحظة لأعرفك بمساعدي الذي وضع فكرة هذه الأسئلة الحقيقية..
مساعدي شاب في مقتبل عمره, شديد الأناقة.. لا يتحدث إلا نادرًا.. ولا يتوقف عن العمل إلا حين ينام..
بابتسامته الواثقة ونظراته الذكية دفعني لأن أختاره ليكون مساعدي.. ومع الوقت أثبت لي أنه يستحق هذا المنصب حقًّا.. ثم جاء اليوم الذي عرضت عليه مشروع برنامج مسابقة العصر, ليقترح هو ببساطة:
الجميع استهلكوا تلك الأسئلة الثقافية والشخصية المحرجة.. لماذا لا نمنحهم شيئًا جديدًا؟
شيء جديد مثل ماذا؟
أسئلة ذكية.. دعهم يفكرون ولو قليلاً..
!!
والواقع أن فكرته كانت عبقرية... فكّر فيها قليلاً وستجد كم هي عبقرية..
منذ أن انتشرت برامج المسابقات, والكل يحفظ تلك المعلومات البلهاء, التي لا تقدم شيئًا ولا تؤخر..
من مؤلف هذا الكتاب؟.. في عام ماذا ولد ذاك الأحمق؟.. ما أطول نهر في العالم؟.. من قائل هذه العبارة ولماذا؟.. أطنان من السخف أصبح الجميع يسعون لحفظها دون داع..
لا تسئ فهمي, فأنا لست ضد الثقافة العامة.. لكن ضد السبب الذي دفعنا لهذه الثقافة, والطريقة التي أصبحنا نمارسها لنصبح مثقفين.. الكل يحفظ تاريخ إمضاء تلك الاتفاقية.. لكن لا أحد يعرف عن ماذا تتحدث تلك الاتفاقية ؟.. لماذا عقدوها؟ وما العوامل التي أدّت إليها والآثار التي نجمت عن تطبيقها؟ وهل كانت هذه الاتفاقية مفيدة أم لا؟.. لا أحد يعرف..
الكل أصبح يحفظ كالببغاء, بينما انقرض التفكير إلا عند القلّة ورهبان التبت!
حقًا.. دعهم يفكرون ولو قليلاً..
هكذا جلس المتسابق الأول في انتظار أول سؤال حقيقي, وزوجته تقف في الاستديو تنظر له في أمل حاملة طفلها –رغم أنني حذرتها– ليدوي السؤال أخيرًا عبر السماعات:
كيف يمكنك أن تحصل على النار من الثلج؟!
وفي مكتبي انفجرت أنا ضاحكًا وأنا أرى نظرة الذهول التي شاعت في عين المتسابق الأول..
الدموع التي سالت من عيني زوجته المصدومة, وهي ترمق زوجها في حيرة عاجزة عن تخيّل الإجابة حتى, بينما طفلها يبتسم في براءة لا يدرك ما سيصيب أباه, لو لم يجب على السؤال خلال 60 ثانية هي مدة الإجابة..
كيف يمكنك أن تحصل على النار من الثلج؟!
هل تعرف إجابة السؤال؟.. هل يمكنك أن تفكر فيه؟؟
باق من الزمن 50 ثانية.. والمتسابق الأول لا يزال يتلفت حوله غير مصدق لما سمعه.. لقد جاء من منزله متسلحًا بكل المعلومات التي لا تهم أحدا سواه, والتي ظنّ أنها ستقوده للثراء والمجد..
باق من الزمن 40.. بدأ ينطق أخيرًا ليردد في سره أن أكبر سور في العالم هو سور الصين العظيم.. أن مؤلفة رواية فرانكشتاين هي ماري شيلي.. أن ألمانيا انهزمت في الحرب العالمية الثانية..
باق 30 ثانية.. وضربات قلبه على الشاشة من خلفه تتجاوز المائة.. أتمنى ألا يصاب بصدمة قلبية قبل أن ينتهي الوقت..
20 ثانية.. 10 ثوان.. 5.. و.. و..
ودوّت صفارة انتهاء الوقت, لتشهق زوجته, بينما شحب وجهه هو في انتظار أول عضو سيخسره بضغطة زر.. وهنا يأتي الخيار لي..
بماذا نبدأ؟.. بماذا نبدأ؟..
نعم لنبدأ برئته اليمنى.. لنر ما سيحدث حين أضغط على هذا الزر..
* * *
مقتطف من صحيفة اليوم التالي لظهور الحلقة الأولى من مسابقة العصر.. وهو بالمناسبة حوار مع ربة منزل شاهدت ما حدث في الحلقة:
مرّت الدقيقة التي منحوها له ليجيب على السؤال وهو في مكانه لا ينطق.. ثم دوت الصفارة التي تعلن نهاية الوقت, فانتفضت أنا وكل من معي في المنزل.. لقد خسر, ولأول مرة سنرى ما يفعله ذلك المقعد الذي يتحكم في.. في أجسادنا!.. للحظة لم يحدث أي شيء.. لحظة كانت طويلة وأعيننا معلّقة على تلك الشاشة التي تنقل لنا وظائف أعضاءه.. أختي كانت تجلس جواري وقالت في إحباط ؟إن فكرة البرنامج كله مجرد خدعة.. ثم.. ثم.. ثم رأيناه ينتفض فجأة وهو يصرخ بألم رهيب لتتناثر الدماء من فمه على كل شيء.. كل شيء!".
* * *
مقتطف من تقرير الطبيب الذي فحص المتسابق الأول بعد انتهاء الحلقة مباشرة:
"أنسجة الرئة اليمنى كانت محترقة تمامًا دون أن يؤثر هذا على الأنسجة المحيطة بها.. إنها تلك النانوروبوتات.. من كان يظن أنها قادرة على فعل شيء كهذا لو تحكمت بها؟!".
* * *
مقتطف من حوار مع مخرج الحلقة الأولى من برنامج مسابقة العصر:
- " لن أعمل في هذا البرنامج مرة أخرى مهما كان الثمن.. هل أكررها؟.. مهما كان الثمن.. مهما كان!".
* * *
استغرق الأمر نصف ساعة حتى أمكننا أن نواصل السباق.. وهنا سأكون رحيمًا بك وسأختصر بعض الوقت..
لم يجب على السؤال الثاني.. فخسر كليته..
لم يجب على السؤال الثالث.. فخسر أعصاب الحركة في نصفه الأيسر..
لم يجب على الرابع, فاختار الكمبيوتر مكان الضربة الأخيرة.. ويا ليته ما فعل!
الكمبيوتر –اللعين– اختار فص الذاكرة في مخه!!.. هكذا خرج المتسابق الوغد الأول حيًّا, لكنه نصف بشري, لا يذكر حتى زوجته التي كادت تجنّ أو ابنه الذي لم يتوقف عن الصراخ لحظة..
ليته مات.. ليته مات!
بقاؤه على قيد الحياة –وهذا ما ظننته– حوّله لنموذج حيّ لخطر الاشتراك في مسابقتنا, وكل من عارضوا الفكرة في البداية, استغلوا هذا المسخ الذي تبقى, ليكون تجسيدًا ماديًّا لدعايتهم السلبية..
لا أخفي عليك أنني كدت أوقف البرنامج تجنبًا للمشاكل, لكن كما يحدث في كل مكان.. بدأت الزوبعة.. هدأت الزوبعة.. نسي الكل الزوبعة!
وما هي إلا أشهر قليلة حتى جاءنا من يوّد الاشتراك في المسابقة..
ثم تبعه ثان..
وثالث..
ورابع..
عشرات أتوا يكتبون أسماءهم ويطالبون بالجلوس على المقعد الرهيب, لأدرك أنا –متأخرًا– أنهم لم يأتوا من أجل المال..
أبدًا..
* * *
كما يحدث في كل مكان.. بدأت الزوبعة.. هدأت الزوبعة.. نسي الكل الزوبعة, وهذه هي المصيبة!
كما بدأنا بضجة لا حدّ لها, ونسبة مشاهدة خرافية حققت لنا أرقامًا تحتاج لقرون لكي ننفقها, ثم بدأت الزوبعة تخفت بالتدريج..
يتبع,,,,

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://qalapalhaya.ahlamountada.com/
لمياء
 
 
لمياء


احترام قوانين المنتدى احترام قوانين المنتدى : 100 %

الأوســــــمـــــــــــــــــة : وسام الابداع

عدد المساهمات : 6242

نقاط : 15259

السٌّمعَة : 60

تاريخ التسجيل : 17/04/2011

مصرية

الابراج : الدلو

الأبراج الصينية : الحصان

العمل/الترفيه : طالبة *_*

الموقع : في قلب حبيبي

المزاج : عال العال ^_^

تعاليق : يـــــابخـــــتها اللـــى هـــاكـــــون ""انـــــــا"" مــــرات ابـنـــــها ^____*

نوع المتصفح : جوجل كروم


 مسابقة العصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: مسابقة العصر    مسابقة العصر Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 20, 2011 8:33 pm

الكل يئس من التفكير, وأصبح مقعدنا مقعد النانو كنترول, ملاذًا لمن يفكرون في الانتحار, لكن لا يجرؤون على اقترافه.. وهكذا تحولت حلقات برنامجنا إلى شيء أشبه بأفلام الرعب الرخيصة التي كانوا يصنعونها في الماضي..
حتى الدعاية السلبية خفتت, مع ظهور أشياء أخرى تستحق الصراخ والاعتراض لفترة, ولم يعد أمامنا حلّ إلا إيقاف البرنامج..
وهو قرار عليّ أنا اتخاذه, لكن من سيدفعون ثمنه لا نهاية لهم..
قرار لا مهرب منه في الواقع, لذا أتى اليوم الذي اجتمعت فيه بمديري القناة التنفيذيين, لأعلن عليهم الخبر المؤسف, ليتدخل مساعدي الأنيق العبقري, قائلاً:
لا داعي لإنهاء البرنامج.. لديّ فكرة ستعيد له بريقه لفترة طويلة..
رائع.. ما هي؟
يجب أن يجلس ضيف خاص على هذا المقعد ليخوض السباق.. ضيف لن يقاوم العالم كله أن يراه عليه..
فصحت في لهفة:
من هو؟!
أنت..
!!!!
* * *
(4)


مساعدي الوسيم الأنيق, فعلها مرة أخرى وأنقذ البرنامج..
ففي سجني زارني ذات يوم ليعرض عليّ كم صفقات الإعلانات التي عقدها ليبثها خلال الحلقة, وليثبت لي أنه كان محقًّا تمامًا..
نعم سجني!.. أتظنون أنني وافقت؟!
مساعدي الأنيق الوسيم توقع هذا, وخدّرني في الاجتماع الذي عرض فيه فكرته -والذي عرفت لاحقًا أنه دبّر له منذ زمن– لأستيقظ في زنزانة صغيرة صمموها لي خصيصًا, في مبنى شركتي العملاق..
بالطبع مررت بكل تلك المراحل المعتادة..
الصدمة.. الذهول وعدم التصديق.. هذه دعابة.. أليس كذلك؟!.. الغضب.. الثورة التي لا بداية لها ولا نهاية.. التوسل والرجاء.. وفي النهاية الاستسلام و..
متى ستبثون الحلقة؟
أسأل مساعدي الوسيم الأنيق, فيجيبني بعملية تامة:
غدًا.. استعد جيدًا..
أنت تعرف أنني لن أقوم من على هذا المقعد حيًّا..
فيصمت مساعدي للحظة يبدو فيها شديد الجاذبية وهو يفكر, قبل أن يجيب أخيرًا:
أعرف.. لكنك تعرف أن الأمر يستحق..
والواقع أنني أعرف وأتفهم موقفه جيدًا!.. من هم مثل مساعدي هذا لا يفكرون إلا بطريقة واحدة.. كيف يمكنك أن تنجز عملك في أفضل صورة؟.. هؤلاء يعيشون ويتنفسون وينامون ويستيقظون ليجيبوا عن هذا السؤال بطريقة عملية, كأنهم آلات مبرمجة لا تفكر في العواقب أبدًا..
لهذا اخترته أنا ليكون مساعدي, ولهذا –ووفقًا لبرنامجه– أتفهم اختياره لي لأكون ضحية المقعد القادم..
حتى أنت لا تنكر أنك تود أن تراني على هذا المقعد, وأنك ترى أن هذا هو القصاص العادل!
هل لي أن أعرف الأسئلة مسبقًا؟
فيضحك مساعدي ربما لأول مرة منذ رأيته, قبل أن يجيب:
لن تكون هناك أسئلة.. فقط سؤال واحد..
ثم يتركني ويرحل دون أن يترك لي الفرصة لأسأله المزيد..
سؤال واحد في انتظاري غدًا..
سؤال واحد ولا أحتاج أن أكون عبقريًّا لأدرك أن ثمن هذا السؤال هو حياتي ذاتها.. مساعدي لن يتركني بكلية واحدة أسعى خلفه لأهشم عنقه بعد هذه الحلقة!
سؤال واحد يعني حياتي أو هلاكي..
سؤال المليار دولار.. مهلاً.. إن هذا يصلح كاسم مبتذل آخر لبرنامج مسابقات يمكنني أن أخطط له لو نجوت غدًا!
لو..
* * *
وفي تلك الليلة استيقظت على صوت من يهمس باسمي, فظننتني أحلم لولا أن ميّز عقلي المنهك الصوت في النهاية..
إنه.. إنه.. لا أذكر اسمه!.. لكنه ذلك الكهل الذي صمم لي مقعد النانو كنترول.. وهاهو ينادي عليّ بلهفة من الغرفة الملاصقة لي, لأعرف أنه مسجون هو الآخر..
هل تسمعني؟.. عبر فتحة التهوية في الجدار.. أسرع.. لقد عرفت ما سيحدث لك.. هييييه.. هل تسمعني؟
فاعتدلت على فراشي لأهمس أنا الآخر:
ما الذي أتى بك إلى هنا؟
مساعدك.. لكن هذا لا يهم الآن.. أصغ لي جيدًا, فما سأخبرك به قد يصبح أملنا الوحيد..
صحت في أمل:
في الهرب؟!
بل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. هيا أصغ لي قبل فوات الأوان..
* * *
هل تعرف نسبة من أرادوا أن يروني أموت ببطء؟؟
92%!!!!!!!
أي خبير إعلانات سيخبرك أنها نسبة مشاهدة غير منطقية, ولا يمكن تحقيقها بأي ثمن, لكن يبدو أن حتى الأطفال في عصري أرادوا أن يشاهدوا لحظاتي الأخيرة..
حتى القتلة المتسلسلون لم يبلغوا هذا القدر من الشهرة, لكني طالبت البشر بأن يفكروا, فتحوّلت بالنسبة لهم إلى ما هو أسوأ..
أتاني مساعدي ليخبرني أنه متحمّس لهذه الحلقة, وأنه يشعر أنها ستكون بداية مرحلة انتقالية للقناة..
إنه لا يحمل ذرة إحساس تجاهي..
بالنسبة له أنا مجرد أداة لتحقيق نسبة مشاهدة لا أكثر..
تمامًا كما كان المتسابقون السابقون بالنسبة لي..
كانوا قد نقلوني إلى الاستديو, وكنت قد بدأت أسمع الموسيقى المميزة لتتر البرنامج, فأدركت أنه لم يعد أمامي الكثير..
ولا أمامهم!
وضعوني على المقعد الرهيب, فانتبهت أنني لم أجلس عليه من قبل أبدًا..
لأول مرة أشعر كم هو بارد كئيب مقبض.. لكنها أول وآخر مرة على أية حال..
حدقت رغمًا عني في الكاميرات المسلطة عليّ, والتي ستنقل عملية إعدامي للعالم كله.. وفي عقلي أخذت أراجع ما اتفقت عليه مع الكهل الذي صمم هذا المقعد والذي سيأتي دوره ليجلس عليه, لو لم أفعل ما عليّ فعله..
انتهت موسيقى التتر أخيرًا لتبدأ الحلقة..
ولتبدأ النهاية..
* * *
لن أنقل لكم تلك الخطبة السخيفة التي ألقاها مساعدي, فهو لا يستحق هذا..
ملخصها أنه أتى اليوم ليشاهد العالم صانع السم –الذي هو أنا!– ليتذوقه.. وهو كما ترون ملخص رديء لخطبة أكثر رداءة..
في النهاية التفت لي, ليلقي بسؤاله الذي يبدو أنه حلم بإلقائه طويلاً:
السؤال سهل ولا يحتاج حتى للتفكير.. فقط أنعش ذاكرتك وأخبرنا باسم أول متسابق دفع ثمن جلوسه على هذا المقعد..
ماذا؟!
أمامك ستون ثانية لتتذكر اسمه.. إنه يستحق هذا, فهو أول من صنع مجدك.. أليس كذلك؟
يا له من وغد!
إنه يعرف لعنتي بعدم تذكر الأسماء, وها هو يستغلها ضدي كأسوأ ما يكون..
تذكر.. لقد كان مدرسًا.. كان زوجًا.. كان أبًا.. لكنه خرج من هنا نصف مسخ لا يذكر حتى كيف يرتدي ملابسه..
ثم إنه مال عليّ, ليكرر:
ما.. هو.. اسمه..؟
يا له من وغد!.. يا له من لعين!!
على الرغم من كل شيء, كنت أحمل أملاً في أعماقي, بأن أتمكن بإجابة السؤال لأنهض من على هذا المقعد الرهيب حيًّا, لكن مساعدي الأنيق الوسيم أجاد لعبته حقًّا..
50 ثانية..
أعتصر خلايا مخي لأحاول إجابة السؤال, لكني أعرف أنني لن أجده..
زوجته انتحرت بالمناسبة.. أمّا ابنه فقد انتقل إلى أحد الملاجئ, فلم يعد له أم أو أب يصلح لأن يكون أبًا.. كل هذا بسبب مسابقتك العظيمة.. ما.. هو.. اسمه..؟؟
أنا أذكر وجهه جيدًا.. وأذكر نظرة الصدمة التي تبدت في عينيه حين سمع سؤاله (الحقيقي) الأول.. لا بدّ أنها النظرة ذاتها التي تحملها عيناي الآن..
40 ثانية..
حين تعيش حياتي.. حين تعمل عملي.. تتحول الحياة بالنسبة لك أرقاما..
صفقات بأرقام.. أرباح بأرقام.. نسبة مشاهدة بأرقام..
مع السنوات تذوب الأسماء من ذاكرتك وتتلاشى.. حتى مساعدي ذاته لا أذكر اسمه, بل أعرف أنه مساعدي فحسب!
30 ثانية..
حتى الكهل الذي صنع هذا المقعد والذي وضع لي خطة النهاية.. لا أذكر اسمه.. لم أهتم حتى أن أسأله عنه في ليلتنا الأخيرة معًا..
إنه مجرد رقم.. رقم في سجل من أتعامل معهم.. ورقم تقاضاه هو مني حين انتهى من صناعة المقعد..
أمّا اسمه؟؟.. فلا أعرفه..
20 ثانية..
العالم كله –تقريبًا– ينظر لي عبر عدسة الكاميرا التي أحدّق أنا فيها, ينتظر مني إجابة السؤال, فلا أعرف إن كانوا يتمنون أن أجيب عليه أم لا..
إن صورتي الآن على المقعد تصلح كبوستر الدعاية الذي حلمت به لهذه المسابقة..
كل ما أردته أن يفكروا.. أو أن يدفعوا الثمن لأتقاضاه أنا..
10 ثوان..
عشر ثوان هي كل ما أملكه لأسترجع ما اتفقت عليه مع الكهل الذي صنع هذا المقعد والذي لم يعد اسمه يهم الآن..
عشر ثوان وستنطلق الصافرة, فالإشارة التي ستدفع النانوروبوتات في جسدي لشي مخي أو قلبي أيهما أسرع لموتي!
5 ثوان..
أحرّك عيني أخيرًا لأنظر إلى ثقب المحقن الذي حقنني به الكهل ليلة أمس في ذراعي.. هو أخبرني أن هذا سيكفي.. أن الفصيلة الجديدة من النانوروبوتات –اختراعه الأخير- التي حقنها في جسدي ستقوم باللازم..
ما.. هو.. اسمه..؟..؟
4 ثوان..
ستمرّ الثواني وستنطلق الصافرة, ثم ستتلقى الفصيلة الجديدة الإشارة لتبثها إلى العالم أجمع.. نعم.. لن أهلك وحدي هذه المرة..
بهذه الفصيلة سأتحول إلى نواة تنشر الشيء الوحيد الذي ينقصنا في هذا العصر..
الموت!
3 ثوان..
الكهل أخبرني أنه لم يجرّب اختراعه, لكنه الأمل الوحيد الذي نملكه..
الأمل في أن نضع حدًّا لهذا كله..
للحياة الصناعية التي نحياها..
للصحة التي لا نستحقها..
لعقولنا التي نسيت الألم والخوف والأمل..
ثانيتان..
خطئي سأصححه بأن أجعل العالم كله يدفع الثمن معي.. ومن سينجون, سيكون عليهم أن يتعلموا الدرس جيدًا وأن يعوه..
أن (يفكروا) فيه..
الإشارة التي سيبثها جسدي ستحوّل جيوش الروبوتات في أجسادنا إلى جيوش إعدام, لكنها لن تحصد الجميع..
فقط من يستحقون!
ثانية واحدة..
يردد مساعدي للمرة الأخيرة:
ما هو اسمه؟؟
فأجيب أنا أخيرًا:
اذهب إلى الجحيم!
وتنطلق الصافرة.. الإشارة..
من المقعد.. ومن جسدي..
إلى العالم كله..

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://qalapalhaya.ahlamountada.com/
 
مسابقة العصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التلوث مرض العصر-أولى ثانوي-أبو خالد
» دواء مسكن وصالح لجميع أمراض العصر بدون استثناء

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قلب الحياة :: عـالـم الـحـيــاة الثـــقــافى ألادبــــى :: قسم الأدب العربى :: قصص قصيرة-
انتقل الى:  
أختر لغة المنتدى من هنا

قلب الحياة

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الأن بتوقيت (مصر)
جميع الحقوق محفوظة لـقلب الحياة
 Powered by Aseer Al Domoo3 ®https://qalapalhaya.ahlamountada.com
حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010