بداية: عندما قررت في رحلتي

بداية:

عندما قررت في رحلتي

أن اتبع طير الهوى

كنت اعرف .. بل أيقنت

باني اتبع ظل الموت

-2-

قال الكهان : " إيزيس " حزينة

دمعها يتساقط مطرا ،

يجري نهرا في ارض الفقراء

قالوا : كانت تعشق ملكا ،

كانت تعشق رجلا ، خانته الأيام

ثم مضي المحبوب أخيرا

في موكب الأحلام ،

لم يترك سوى بضع شموع ثكلي

ودموع تروي ارض الرب

بملح الأحزان والرثاء

-3-

وجعي على " قيس" ،

وجعي على العشاق .. والغربة

أنا "روميو"!

أنا المغترب وحيدا في صحراء العشق

وجعي على "قيس"،

وجعي على الصحبة.

-4-

هل أحب "اخناتون" أحدا؟

سوى قرص الشمس

هل عرف سوى التسبيح بجنح الليل

وصلاة الهمس

أنا آمنت..

صليت .. دعوت

أنا قدمت الدمع

قرابينا، وسجدت

على باب "أبيدوس" عشقت حبيبتي

واله الحب .. عبدت

-5-

أنا الذي عشقتك ألف عام

واشتقتك ألف عام

أنا الذي أضعتك حين وجدتك

وضعت في قوافل الأحلام

أنا الشاعر المجنون

الباحث عن وطن السلام

طوال العمر

وحين وصلت لأسوارك

كان قد فات الأوان

و أدمن العمر السفر

-6-

لامست يدي نهداك مرتين .. أو أكثر

لا أتذكر ..

لكن الصواعق التي كانت تضربني وقتها

كانت اكبر من تحملي

اكبر من تخيلي ،

من كل تصور

كانت الدنيا تدور حول أصابعي

هدمت كل عصور الرمال

وكل عصور الهوى والتحضر

ليصير البرق أكثر ودا

ويصير الطير أكثر سعدا

ويتحول عطش الصحاري ارتواء

فيغدو جبين القفار .. اخضر

-7-

هاربا إلى عينيك جئت

خلفي الزوابع والعواصف ،

والمقادير الجهولة

شاعر ..

في يدي زهر الذبول

وعلى شفتي أغاريد الطفولة

شاعر ..

لا شيء لي من علامات النبوة

سوى العذاب، والحروف،

والأماني المستحيلة

_8_

لا لست مدعيا بان الليل يعرفني

ولا السيف ، ولا الرمح ، ولا البيداء

لكنني قد اعرف القرطاس والقلما ..

وهذا حال اغلب الفقراء من أمثالي ،

واغلب الشعراء

-9-

آخر صك غفران منحه " راسبوتين " ..

كان لأميرة البلاط .

الأول كان لفلاح فقير

جاء يطلب الغفران وعلي رداءه ..

بقايا من الأوراق الجافة ،

والطين والتراب

-10-

"لماذا يا أبي ؟

يجئ الليل اسود

يجئ مسربلا

متخفيا بردائه المسر مد

لماذا يتمطى هكذا . يا أبي

- كلوحة سوداء لم تحدد ؟ .."

يا لطفولتي الوردية !

يا للسؤال الذي لا يجاب ،

وحيرة لم تبدد !!

-11-

غدا سأموت ،

وتدق لأجلي الأجراس

مثل كل القديسين

ويقول الناس بأنني

قد عشت لك .. حتى مت

-12-

يا "يسوع " !

يا نبي الله ، أيها المسيح !

باركني و هب لي الغفران

يشفع لي –رغم الذنوب- أنني يوما ..

عشقت

-13-

مرت خمسون عاما وقلبي

لازال يسأل : لم افترقنا ؟!

-14-

كنت وحدي قبل ذاك ، وبينكم ..

قد عشت وحدي

ووحدي أكون ، غدا ، في الظلام

-15

في ساحة "النعمان"

كان "امرؤ القيس " يغني شعره

والجميلات على الأنغام تراقص

من قلبه كان يغني..

و بالقلب جرح نازف

-16-

غدا سيموت عواء الريح

في قلبي

غدا تدعوني الأفراح والضحكات

فألبي ،

غدا أرجع كما كنت

فادع الله ، يبرئني من الحب

-17-

يوما ما كا ن يغني ،

يضحك ، ويرقص مثل وردة

راحت في مهب الريح

اذكره دوما .. وأجهل قبره

لك من الفاتحة يا صديق !

-18-

قلبي ! أيها المهاجر ،

يا سرب الحمام

قلبي !

صلاة أنت خاشعة بلا قبلة ،

ولا إمام ..

-19-

رأيتها تسبح في بحر صمتها ..

فلم ادر من يومها ..

أي الفروق بين الصمت ..

والغناء ..

-20-

عيناك خمر ..

فهلا جاءني الساقي ، بكأس .

من هذا النبيذ ؟

-21-

كتبت حياتي ملخصة ..

بمجلد من ألف ورقة ..

مزقتها جميعا حين رأيت عينيها ،

فقد كان يجب أن أبدأ من جديد

-22-

قبالتي جلست " نفرتا ري " تغسل شعرها

عيناها ريمان ، وشعرها نخيل

ويداها بحيرتان كبيرتان

تنبع منهما ، في دمي ، انهار

قبالتي جلست

لا الليل ليل من يومها ،

ولا النهار غدا نهار ..

-23-

في أولي رحلاتي ..

رافقت " محبي الدين "

و "البياتي " ،

من يومها استوطنت الرحيلا

-24-

ودعت أبي في يوم عيد ،

في يوم بعيد .. بعيد

يومها أيقنت بان كلينا

مسافر بنفس القطار ،

قطار الباحثين عن وطن سعيد

لمحت في عينيه .. خوف " أبي العلاء "

وسجن " أبي العلاء "

قيده العنيد ،

أما أنا ..

فورثت فخره الأخير ،

فلم اجن علي احد

-25-

كان لي جد شاعر ..

ملأ " المأمون " يوما فمه بالذهب

فاحتجبت عنه ربة الشعر .

سبعين يوما ،

ورمي "التتار " ديوانه في النهر ،

فغرق بين ما غرق من الكتب

ضاع شعر جدي ،

ضاع كلامه ،

وأبياته المكتوبة بماء الذهب

-26-

لو شاءت الأقدار يوما

بلقاء " زوربا " ،

لسألته يعلمني الرقص

وأبجدية الحب ، والخمر ،

والطرب

وسألته عن رحيق الزهر ،

عن الطريق إلى جزر الياسمين

وجزر البنفسج ، والعنب

وسألت : كيف أحب حين أريد ؟

وحين أريد .. لا أحب

-27-

في آخر لقاء لي بعروس البحر

قالت بأن قلبي حزين

حزين حتى انه ..

لا مكان فيه لحبها

-28-

عندما كنت " بدمشق " ،

باعني صياد خاتما ، وقال بأنه

"خاتم سليمان " ..

أخذته ساخرا ، ووضعته في جيبي

دونما نظرة ،

فقد كنت اعرف أن نبي الله

ليس ظالما

حتى يحبس جنيا في خاتم

يمكن يوما أن تلبسه امرأة

-29-

أنا – قبل هواك – كنت ملك الدنيا

فلا تسألي : لم تخليت عن تاجي ؟

واخترت تاج الشوك

وقصور الحلم والأحزان

-30-

ليقتلوني ،

ليصلبوني ،

ليقطعوا عنقي ،

ليفعلوا بي ما شاءوا

فبعدي لن يموت الحب

وبعدي لن يموت الهوى

ستظل عيناك احلي زهرتين

بهما تطوف الفراشات والعشاق

و إليهما يأوي الشعر والشعراء

-31-

بالأمس حلمت بالفردوس

بنهر الخمر ، وحقول البنفسج

والياسمين

بالأمس حلمت بكل ما أحب

ففرحت جدا ،

وحزنت جدا ،

واعتراني للعذاب حنين

-32-

من لي بحلم يا عمري الجريح

من لي ببيت .. ووطن

متعلق بقشه فوق وجه الماء

من لي بسفن تحمل النفس بعيدا ،

بعيدا عن بحر الشجن

-33-

أخاف الليل -يا حبيبتي- حين يأتي ..

مركبا وحشيا ، مظلم القلوع

أخافه حين يأتي ..

محملا ببضائع المدن الحزينة

بالشجن .. بالملح والدموع

أخاف الليل -يا حبيبتي- حين يأتي ..

ولا مشاعل في منارتنا

ولا علي شواطينا .. شموع

-34-

اعذريني - يا سيدتي

- إذا ما دام حزني

اعزريني ..

إذا ما دام شجني ،

إذا لم يعد للفرح في قلبي

مكان ،

فانا من قوم كل تاريخهم ،

وكل ما كان من آثارهم ،

وكل ما قالت عنهم الصفحات

أنهم ..

ولدوا ليتعذبوا ..

ثم ماتوا دون معرفة السبب

-35-

دموية شفتاك مثلما

أشجار التوت البري

تتزينان بدمي أنا

من قتلني الترحال إليهما

دون أن اقطف ثمرة ،

العاشق الذي زين بدمه

الأشواك المرة ..

المقدر لي من قديم الأزل

بسم الأشواك أموت

-36-

يا رفيق السفر ،

لا تروي لي عن عمرك الضائع

لا تحكي عن الأحلام القديمة ولا الأطلال .. ولا الهوى

فكل هذا تركته ورائي

واشتريت الزاد والجياد والسفر

-37-

سيغني البحر يا - سيدتي

- علي سواحلنا ..

سيسكر حين يراك – علي شط مدينتنا

- لطفل يلهو بقصور الرمال –

تبتسمين

حين تزورين مدينتنا – يا سيدتي

- سيعرف البحر معني الحب

وسينقلب الموج أصابعا مرتعشة

تخط علي الرمال الشعر

وسيعرف معني الحزن والحرمان

إذا عنا تبتعد خطاك ،

أو عن شوا طينا ترحلين

-38-

كنا رفيقا سفر

بمفازة لفظ النفس الأخير

يرثي بالدمع .. أيام العمر

" لا ذنب لي في كل هذا

يا رفيق ..

لا اخترت سفري

ولا اخترت الرفاق ،

ولا الطريق

وها أنت تري :

أموت يا رفيق

ولم ادر –بعد- نهاية الطريق .

أموت يا رفيق ..

ودع عني الليالي والحكايا

ودع عني الأماني والرحيق

قل : ضاع ..

مات ..

قل : قد ضل الطريق "

-39-

حدثني عن الشعر والشعراء

لساعات .. وساعات ،

وأخيرا .. استغفر ربه

-40-

يوم مات "طاغور"

سكنت سماء الهند

وبكت مياه البحر

وعيون الطيور

-41-

خجلت من نفسي إذ قبلتها القبلة الأولى

لكنني أحببت أن أرى علي خديها

ورودها الحمراء الخجولة

عشقت طعم الكرز في شفتيها

عشقت نكهة التفاح والفحولة

-42-

لا تتصوري يوما باني قد تخليت عنك

واني قد بعت حلمنا

بهجري لبحرك اشتريت الشراع

اشتريت ما ضاع من أحلامنا

-43-

كلما استعدت أيام فروسيتي الأولى

شعرت بالخجل

فقد كانت كل أسلحتي ، وعتادي ،

وسهامي ، وجيادي ..

كلها كلام ..

-46-

نظر لكفي

تأمل الخطوط ، وأمعن النظر

وقال باني سوف أموت

لن اعرف سر ماساتي ، ولن ..

افرح يوما بدنيا البشر

قال بان حياتي عزاب

ودمعي سيغدو كأمطار نيسان

فيا ويلتي من موسم المطر

-45-

عندما نزلت مع " كولمبس"

إلى الأرض الجديدة

رأينا أهلها قوما عرايا

مزروعة أرضهم بالتبغ والخطايا

نظر لي وابتسم ..

- " ها هي جنتي ..

مرة أخرى تدوسها خطايا "

-46-

احبك يا هذه الأرض

احبك مثلما قبلي ..

احبك الرجال ..

مثلما احبك الرأسماليون ، والشعراء

واحبك الفلاحين والعمال والسكارى

مثلهم سأصب في جوفك الحب

اسكب اللحن والنغمات والاشعارا

اسكب الدماء والاسفارا

سأسود الصفحات عنك بدمي

مثلما قد فعل قبلي " غاندي "

و "ناصر " و " جيفارا "

-47-

لا لم تمت " بغداد " حينما دخل " التتار "

لم تمت حين حرقوا بيوتها

لم تمت باغتصاب بناتها

ولا حين افنوا رجالها

فوق المقاصل والسيوف

وبين أكوام الحطب

لم تمت " بغداد " إلا حين كسروا جبينها

وعبروا نهرها .. فوق الكتب

-48-

كثيرا ما رووا عن " السند باد " ،

وعن رحلاته في البحار السبع ،

وعنف العواصف ، وعشق السفن

لكن أحدا لم يذكر يوما انه

ضاع حين بدا الرحلة الثامنة

في سواد عين امرأة تسكن " الله باد "

-49-

وان هجرت بساتيني الطيور

وضاع من قدمي الطريق

لان ضاع من عمري ، وسحري ، وحلمي

وراح من ليلي الرحيق

وان لم يبق من دنياي شيء ..

سوي هذا الكلام ،

وتلك اليمامات تحلق ..

فوق أشرعة القصيدة

يكفي باني أضعت العمر ،

شربت الصبر ،

نحت الصخر ،

كي تبقي قصيدة ..

-50-

مثلي أنت يا جارنا ،

يا برج حمامنا المهجور .. يا برج الحمام

مثلي أنت ..

في ليل الشتاء .. تصلي

في حضن الصمت ..

برغم الريح ..

برغم الظلمة ..

برغم الجرح المنقوش علي الجدران ..

تصلي ..

تصلي .. ولا إمام

ترتل مزاميرك في صمت ،

تدعو في صمت ..

ليعود الربيع ،

ويعود الحمام

مثلي آنت يا جارنا .. وحيد

وليل الشتاء لا ينتهي

ولا ينتهي البرد .. ولا المطر

ترقب الأحباب ،

ولا يعودون أبدا ، ولا ..

يملون التغرب والسفر

إلا تري بانا - يا جارنا

- نقتسم المكان كما ..
نقتسم الكآبة والقدر



-51-

هل يعرف الليل سوانا أصدقاء ؟

نحن نشاركه الكآبة

نشاركه التعاسة

وأثواب الحداد

نحن عشاق الشموع السود

عشاق السهاد

نحن خبز الليل ،

نحن نبيذه

الليل وطننا الكبير

له ندين بالولاء

هل له سوانا .. أصدقاء ؟

-52-

قلبي معك ،

قلبي معك ،

لكن ، وبعد تجمد ادمعي مع الأحزان ،

ارفض أدمعك

-53-

" نزار " لم يمت

لا تصدقيهم إذا ما قالوا بان

شاعرا يموت

لا تصدقي نعيه في الجرائد

والمتون

الشعراء –يا صديقتي – كالطيور

خالدون

-54-

في ظهيرة يوم ما سألني صديقي

متي ينتهي الليل ؟

وينقشع الضباب

-55-

لا .. لا اعتقد بأنني سأموت اليوم ..

قصائدي لا تزال هناك !

-56-

" رامبو "

كان ينحني دائما

ليس تواضعا ، وإنما ..

كان يعرف –حق المعرفة

- إن السماء تحت قدميه

-57-

لا ، لم يعدموا " الحلاج" لكنهم ..

قتلوا آخر فرصة للمقاصل في أن تقول

شيئا حقيقيا

-58-

وأخيرا

يرحل الليل في موكب القدر

فأوسد ذكرياتي علي جدار الفجر

وأعود وحيدا لعتمة النهار

لوحشة الزحام ..

ومضارب العمر