«سنقاتل الصهاينة في كل مكان، وسنحرق الأرض من تحت
أقدامهم»، هكذا كان يردد دائمًا، المعتقل اللبناني جورج عبدالله، الذي قرر
القضاء الفرنسي، الخميس، الإفراج عنه، بعد 28 عامًا، من إلقاء القبض عليه
في 24 أكتوبر 1984 في مدينة ليون الفرنسية.
وقتها، لم تجد الحكومة الفرنسية ما تتهم به «عبدالله»، الذي
يُلقب بـ«مانديلا العرب» نسبة إلى الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا،
الذي قضى بدوره 28 عامًا في سجون التمييز العنصري، سوى بـ«حيازة أوراق
شخصية غير صحيحة»، لتتوالى الاتهامات بعد ذلك.
بدأ جورج عبدالله المولود في عكار بلبنان، عام 1951، نضاله في
صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي، ليلتحق بعد ذلك بالجبهة الشعبية
لتحرير فلسطين، مؤمناً أن «قضية فلسطين لا يمكن فصلها عن قضية لبنان،
وكلتاهما لا يمكن فصلهما عن القضية العربية والإنسانية». كان للاجتياح
الإسرائيلي للجنوب اللبناني أثراً كبيراً في نفسه، فواصل نضاله المسلح ما
جعله عرضة لملاحقة الموساد الصهيوني و بعض «العملاء» اللبنانيين.
من بيروت، قال حسن صبره، المتحدث باسم جورج عبدالله في لبنان،
لـ«المصري اليوم»: «لوحق جورج عبدالله من قبل الموساد الإسرائيلي ومن قبل
بعض العملاء اللبنانيين وأخص تحديداً القوات اللبنانية والتي كانت تتعامل
مع العدو الصهيوني، لأن هؤلاء يهمهم عدم وجود أشخاص تهتم بمقاومة العدو
الصهيوني مثل جورج، وتم اعتقاله في جنوب فرنسا، ولم تستطع السلطات الفرنسية
وقتها إدانته بأي شيء سوى اتهامه بحيازة جواز سفر جزائري مزور».
بعد أشهر من اعتقاله، أوفدت فرنسا مدير جهاز مخابراتها إلى
الجزائر، وهناك وعد مدير المخابرات الفرنسية الحكومة الجزائرية بالإفراج عن
عبدالله، لكونه يحمل جواز سفر جزائري، إلا أن الحكومة الفرنسية لم تفي
بوعدها، ووجهت له اتهامات بحيازة أسلحة ومتفجرات لتصدر في النهاية حكماً
بسجنه أربع سنوات، قبل أن تتم محاكمته مرة أخرى في مارس 1987 بتهمة التواطؤ
في أعمال وصفوها بـ«الإرهابية»، ويحكموا عليه بالسجن المؤبد.
وجهت فرنسا لجورج عبدالله التهم التالية: شبهة تأسيس «الفصائل
المسلحة الثورية اللبنانية»، والتخطيط لمجموعة من العمليات أبرزها محاولة
اغتيال كريستيان أديسون تشابمان، المسؤول الثاني في السفارة الأمريكية في
فرنسا، في 12 نوفمبر 1981. و اغتيال الكولونيل تشارلز راي، الملحق العسكري
في السفارة الأمريكية في فرنسا، في 18 يناير 1982، واغتيال ياكوف
بارسيمنتوف، السكرتير الثاني للسفارة الإسرائيلية في فرنسا، في 3 إبريل
1982، وتفخيخ وتفجير سيارة رودريك جرانت، الملحق التجاري في السفارة
الأمريكية في فرنسا، في 22 أغسطس 1982، واغتيال الدبلوماسي الأمريكي ليمون
هانت، المدير السابق للقوات الدولية في سيناء، في 15 فبراير 1984، ومحاولة
اغتيال القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية في سترسبورج، روبرت أونان
هوم، في 26 مارس 1984.
في عام 1999، كان من يحق لـ«عبدالله» أن يطلق سراحه، لأن
القانون الفرنسي يسمح بالإفراج عن المحكوم عليهم بالسجن المؤبد بعد قضاء 15
عامًا من السجن، إلا أنها أبقته في السجن. في نفس العام انطلقت حملة تضامن
مع جورج عبدالله، وتشكلت لجان دولية للتضامن معه في سويسرا وفرنسا
وبلجيكا. في لبنان، تأسست لجنة للتضامن مع جورج إبراهيم عبدالله، تضم اتحاد
الشباب الديمقراطي اللبناني، الحزب الشيوعي اللبناني، حركة الشعب
الناصرية، الحزب الديمقراطي الشعبي.
نجحت الضغوط التي مارستها هذه الجماعات في إعادة فتح ملف جورج
عبد الله للمرة الرابعة، في مارس 2002. عند فتح الملف سألوه عن موقفه من
المقاومة اللبنانية فكانت إجابته أن «كل شعب تُحتل أرضه عليه أن يقاوم
الاحتلال»، فسألوه عما سيفعل عند خروجه من السجن أجاب بأنه سيعود إلى
لبنان، إلا أن المحكمة رفضت الإفراج عنه بحجة أن أجوبته غير مقنعة وأن
عودته إلى لبنان لن تحول دون تكرار ما كان يقوم به.
لم يكد يمر عام واحد حتى اتخذت المحكمة في 19 نوفمبر 2003
قرارًا بإطلاق سراحه، وحددت 15 ديسمبر موعداً لتنفيذ القرار، إلا أن
النيابة العامة الفرنسية تقدمت باستئناف فوري للقرار بناء على طلب من وزير
العدل الفرنسي، لتُصدر قرار آخر بوقف قرار الإفراج عن عبدالله.
يقول المتحدث باسمه في لبنان، حسن صبره: «جورج تم اعتقاله منذ
عام 1984، وفترة سجنه انتهت، والإفراج عنه هو حق له ولا يحتاج لعفو، لذلك
كنا نعمل دائمًا تحت شعار: جورج عبدالله ليس بحاجة لعفو خاص»، ويضيف صبره
أن «المخابرات الفرنسية تدخلت في هذا الموضوع لاستمرار اعتقاله لأنه لم
يعتذر ولم يندم بعد، والشيء الوحيد القادر على إخراجه من السجن في وجهة
نظرهم هو ندمه و اعتذاره، إلا أنه صمد وانتصر في النهاية».