شهيدة الانسانية راشيل كوري..

عتقد أن جنرالات الحرب في جيش الاحتلال الاسرائيلي كانوا سعداء جدا بقرار المحكمة الاسرائيلية بتبرئة الجيش من جريمة القتل العمد للناشطة الأميركية اليهودية العقيدة راشيل كوري في رفح جنوب غزة في السادس عشر من آذار من عام 2003, ليس لأنه يؤمن ويحمي جنود الاحتلال من المتابعة القضائية وحسب, بل لأن قرار المحكمة من وجهة نظرهم سيكون عامل ارهاب معنوي ورادعا مادياً للنشطاء والمتضامنين الاسرائيليين والجنسيات الأخرى على حد سواء, فكل متضامن سيحسب الف حساب عندما يشارك الفلسطينيين تظاهراتهم السلمية خاصة, ان جنود الاحتلال لا يتورعون في احيان كثيرة عن اطلاق اعيرة وقنابل غاز باتجاه الشبان مباشرة بقصد ايذائهم بدنيا الى حد الاصابة الاعاقة أو القتل.

شرعن قرار المحكمة بهدر دماء شهيدة الانسانية راشيل كوري استخدام وسائل غير عادية كالبنادق والقذائف مثلا لقتل النشطاء, فكل شهادات الصحفيين الذين صوروا الواقعة ورفاقها الذين كانوا بجانبها الى جانب شهادات أفراد العائلة الذين كانت تحاول راشيل كوري منع جنود الاحتلال هدم بيتهم بجرافة ضخمة يؤكدون أن سائق الجرافة العملاقة تعمد دهس الشابة كوري ليطمر تحت التراب المجروف بامشاط وقلوب فولاذية جسد عضوة «حركة التضامن العالمية الشابة التي كانت في ربيع عمرها 24 عاما.

لا يمكننا تفسير قرار المحكمة الا انه اعانة مباشرة من القضاء الاسرائيلي للمؤسسة العسكرية ولجيش الاحتلال, فقرارها سيؤدي حتما الى رفع وتيرة العنف الموجه ضد النشطاء الفلسطينيين والمتضامنين مع الشعب الفلسطيني على الأرض وفي ميادين المظاهرات الشعبية السلمية, فحجة الاسرائيليين أن سائق الجرافة لم يستطع رؤية راشيل فدهسها, لكن تقديراتنا أنه يعلم أنها ناشطة ومتضامنة أجنبية لأن واحدا من الفلسطينيين ما كان ليستطيع تخطي مرمى نيران بنادق جنود الاحتلال والوصول الى حد التعرض للجرافة والوقوف بمواجهتها لمنعها من المضي في جريمة هدم البيوت, فالفلسطيني ان فعل فانه سيردى لحظة خروجه من بيته, لكن جنود الاحتلال يستطيعون التمييز بين الناشط الاجنبي المتضامن والفلسطيني ليس بسبب فارق الملامح, الجنس العرق, والمظهر الحارجي وانما بواقع الرؤية المباشرة والمعرفة المسبقة اما عن طريق الوسائل الاستخبارية أو الاتصال المباشرة التي كانت تفيد بوجود المتضامنين في هذه المدينة او تلك..

قالت راشيل في آخر رسالة لها لعائلتها في الولايات المتحدة الاميركية : 'اعتقد أن أي عمل اكاديمي أو اي قراءة أو اي مشاركة بمؤتمرات أو مشاهدة افلام وثائقية أو سماع قصص وروايات، لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيل ذلك إذا لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكر طوال الوقت بما إذا كانت تجربتك تعبر عن واقع حقيقي».

كانت راشيل ضحية شهادتها المادية الملموسة على الواقع والحقيقة في الأرض الفلسطينية المحتلة, أما المحكمة فقد أرادت اقناع عائلتها ورفاقها النشطاء في حركة التضامن من اجل الشعوب بزيف روايتها وهذا ما اكده الناطق باسم رئيس الحكومة الاسرائيلية عوفير جندلمان عندما قال : هذا حكي فاضي فراشيل كوري قتلت في منطقة عمليات عسكرية ولم يكن هناك بيوت فلسطينية في المنطقة « جاء رد جندلمان على جملة اعتراضية لمقدمة أخبار في قناة « الحرة قالت فيها ان راشيل قتلت عندما كانت على بعد امتار من بيوت فلسطينية في رفح وهي تحاول منع جرافات الجيش الاسرائيلي من هدمها فاجاب سريعا وبالحرف: « هذا حكي فاضي'.

قد نشهد اصابات مباشرة في صفوف النشطاء الاسرائيليين والأجانب على حد سواء, فالمبررات جاهزة وكذلك قرارات المحاكم, أما تمطيط التحقيقات النظر في الملفات والقضايا فإنها احد عوامل التيئيس والاحباط وطمر الذاكرة بأكوام النسيان فسياسة الاحتلال قائمة على الجرافة التي تقتلع الحقائق من الأرض لتنشئ مكانها قصة أو رواية جديدة.لكن راشيل كوري انسان من روح وجسد وعقل وقلب, قد لامست الحقيقة على ارض فلسطين وعاشت بنفسها عذاب الفلسطينيين حتى قضت شهيدة شاهدة دون ان تفكر للحظة انها قد تقضي تحت جنازير دبابة اسرائيلية الذي يقودها يهودي العقيدة مثلها كان ينفذ اوامر جنرالات الحرب بهدم بيوت اصحاب الأرض, فهي كانت تنوي تبرئة العقائد السماوية من الجريمة ضد الانسانية, ونفي مقولة القتل بسيف الرب ايا كان المتسلح بهذه المقولة الخطيئة.